انقلبت المعادلة رأساً على عقب في دولة مالي والتي تشهد حربا طاحنة بين جماعات إسلامية والحكومة المالية بعد تدخل القوات الفرنسية في المعارك الدائرة على الأرض، ومساندتها للجيش المالي ما أدى الي تغيير ميزان القوى وتراجع الإسلاميين بعد أن احكموا سيطرتهم التامة على شمال مالي عقب طردهم للطوارق «مقاتلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد» من معقلهم الأخير في بلدة «أسونغو» قرب مدينة غاو، ومن ثم أصبحت المنطقة بكاملها تحت سيطرة الإسلاميين، من «حركة التوحيد والجهاد» وجماعة «أنصار الدين» التابعتين لتنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، واحتلوا المدن والمناطق الثلاث الكبرى فى شمال مالى «تمبكتو، وكيدال، وغاو» لأكثر من ثلاثة أشهر وحاولوا فرض الشريعة الإسلامية في بقية أنحاء البلاد وعمدوا الى تدمير أضرحة الأولياء والمشايخ في مدينة تمبكتو التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمي، الا أن دولة الخلافة التي سعوا الي تأسيسها فى مالي انهارت بعد تدخل الفرنسيين وتحول «الطارد الى طريدة» تبحث عن مخابئ تتوارى خلفها. وأدى هذا الوضع الى تناصر الجماعات الإسلامية واستنفار جماعة تنظيم القاعدة في كافة الاقليم بما فيه الأعضاء الفاعلون من السودان المنتمين الى تنظيم القاعدة المغضوب عليه عالمياً والمصنف في صدر قائمة الارهاب وتهديد السلم والأمن الدوليين. وتؤكد مصادر اخبارية وتقارير استخباراتية تدفق «مئات الجهاديين» الى شمال مالي لمناصرة الجماعات الإسلامية، خاصة من السودانيين المنتمين الى هذه التنظيمات الجهادية، بالاضافة الى جماعات من الجزائر والسنغال وساحل العاج، وتزايد الأعداد كتعزيزات متواصلة الى منطقة تمبكتو وغاو لمواجهة هجوم للقوات المالية وحلفائها».، وتداولت المواقع الاسفيرية خاصة المغربية تصريحات حبيب ولد يوسف احد قادة حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا في غاو، وصول هؤلاء الإسلاميين الاجانب. وقال «يأتي أشقاؤنا من كل مكان، يأتون من مخيمات تندوف في الجزائر ومن السنغال ومن ساحل العاج، من كل مكان»، وأكد احد سكان تمبكتو ان «اكثر من «150» إسلاميا سودانيا وصلوا في غضون «48» ساعة الى المدينة، وأوضح انهم مسلحون واتوا لمساعدة أشقائهم المسلمين ضد الكفرة». ونشرت صحيفة «الحياة اللندنية» نقلاً عن موقع «لونغ وور جورنال» الأميركي الذي يتابع مجريات «الحرب على الارهاب»، أن موقع مؤسسة «سايت أنتيليجنس غروب» حصل على بيان نُشر في مواقع جهادية يُعلن مقتل «أبو حازم السوداني» الذي وُصف بأنه «جاهد» أكثر من 20 عاماً في أفغانستان والشيشان والسودان، ونقل الموقع عن مسؤول استخباراتي أميركي القول ان «أبو حازم السوداني» هو قائد فرع «القاعدة» في السودان الذي يسمّي نفسه «قاعدة الجهاد في أرض النيلين»، وذكر أن الرجل الذي يصفه أتباعه ب «الشيخ المجاهد»، توجّه الى مالي ليشد من عضد قوات «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» منذ بدء العملية العسكرية التي شنتها فرنسا لانهاء سيطرة الإسلاميين على شمال مالي. وقالت مصادر مطلعة في الخرطوم ان «أبو حازم» واسمه الحقيقي عماد محمود، قُتل في مالي نهاية الأسبوع الماضي، لكنها نفت وجود فرع فعلي لتنظيم «القاعدة» في السودان، وأوضحت أن هناك بالفعل دوائر صغيرة من شبان يحملون أفكاراً متطرّفة قريبة الى تنظيم «القاعدة»، وذكرت أن السلطات قادت حواراً مع مجموعات عادت من الصومال أدت الى اقتناع بعضهم بالتخلي عن الأفكار المتشددة، وذكرت المصادر ذاتها أن «أبو حازم» انتقل الى دارفور حتى وصل براً عبر تشاد والنيجر الى مالي عقب سيطرة جماعات إسلامية بعضها مرتبط ب «القاعدة» على شمال البلاد، وانه كان يقود حوالي «200» من السودانيين الذين يقاتلون هناك الى جانب الجماعات الإسلامية . والملاحظ ان الجماعات الجهادية زحفت بشكل كبير عقب تدخل الفرنسيين الى جانب الجيش المالي، ويشير مراقبون الى أن أسباب التدخل الفرنسي ترجع الى ادراك فرنسا انها تساهلت كثيرا مع العناصر المسلحة في مسألة فداء الأسرى، حيث قدمت حوالي «17» مليون دولار وفق ما صرحت به مسئولة أمريكية، مما يحقق للجماعات الارهابية موردا ماليا مهما، هذا، اضافة الى تخوف باريس من انتقال العدوى الى مناطق توجد فيها مصالحها الاقتصادية مثل النيجر، حيث تحتدم المنافسة الشرسة على الثروة النفطية واليورانيوم مع دول أخرى على رأسها الصين. وأوضح المختص في شئون الجماعات الإسلامية المحلل السياسي الهادي الأمين ل «الصحافة» انه من السهل جداً تدفق الجماعات السودانية المنتمية الى هذه التنظيمات الى خارج البلاد بحيث تتشارك معها معاركها، وقال ان السودان حدوده مفتوحة مع سبع دول من الجوار ويصعب ضبطها بصوره مثلى، وأشار الى ان خروج هذه الجماعات أمر في غاية السهولة اذا أخذنا في الاعتبار تنظيمها الدقيق فى مثل هذه التحركات، واوضح ان الجماعات الجهادية لها خبراء فى جانب التفويج عبر عمليات محكمة تبدأ من الداخل بالترحيل والتهجير ويسمى عندهم «الشباب النافر»، ومن ثم يتم الاستعانة بوسطاء محترفين في عمليات تهريب البشر في كافة المعابر والمداخل على سبيل المثل عمليات التهريب عبر «السنبك» فى مناطق شرق السودان الى مناطق الحوثيين فى اليمن. وأشار الى ان الحلقة الأخيرة فى عمليات التفويج تنتهي عند المستقبلين بتوفير الملاذ الآمن ومعسكرات التدريب،وقال ان هذا هو الأسلوب الذي تعتمده هذه الجماعات الجهادية، وأشار الى ان سقوط نظام القذافى فى ليبيا ساهم فى تسللهم الى هذه المناطق، وأضاف الأمين ان العناصر الجهادية فى هذه التنظيمات فاعلة جدا ودائما ما تنصب فى القيادة، وأشار الى ان العنصر الجهادي في السودان لم يتوقف منذ التسعينات في حرب أفغانستان، والعراق والصومال مروراً بمالي، وأوضح ان طبيعة هذه التنظيمات تتحرك بصورة سرية لأداء مهامها وتمتلك ميزانيات كبيرة في التمويل وأنها تستغل وجود التوترات والحروب في المنطقة لتنفيذ مهامها.