أعطني مسرحاً أعطك أمة مستنيرة، مقولة تنطوي على حكمة بليغة، مفادها أن الفن كان وسيظل أهم أدوات التنوير الثقافي والاجتماعي وتشكيل الرأي العام وتغيُّر السلوك، وتزداد أهمية هذا الفن حينما يرتبط بالأطفال دون الخامسة من خلال مسرح العرائس «Puppets» الذي يعتبر إحدى الوسائل الرائعة لتوصيل الأفكار والمفاهيم والتعليم بطريقة شيقة وجذابة، والعرائس فن ضارب في القدم، وعرف قديماً في مصر واليونان والصين، وحديثاً في فرنسا وإيطاليا ورومانيا، وتطوَّر مع الزمن حتى أصبحت له مسارحه الخاصة وأبطاله المشاهير من الدمى، وجذب إليه كتاباً وشعراءً وفنانين كباراً مثل هايدن وجوث والأديب الفرنسي فولتير وروسو والروائية جورج صاند والمصور الإنجليزي هوجارث، ولا يُذكر مسرح العرائس إلا وقفزت في عتمة ذاكرتي سنوات الطفولة وعروض الأراجوز التي كان يقدِّمها رائد هذا الفن في السودان، الفنان يحيى شريف علي الذي كان يجوب المدارس ويتحلّق حوله التلاميذ مبهورين بتلك الدمى المضحكة، فيقلدونها ويتعلمون عبرها الكثير من الدروس التربوية والسلوكيات الحميدة والقيم الفاضلة. وكوادر مسرح العرائس أنتجت العديد من الأعمال كانت تعرض بصورة راتبة على مسرح الفنون الشعبية بأم درمان عصر كل جمعة، فقد كان السودان من أوائل الدول العربية والإفريقية التي عرفت مسرح العرائس، وشهد هذا المسرح سنوات خصبة من العطاء، وقدّم عروضه في العديد من الدول العربية بعد تخرج مجموعة من المسرحيين في معهد الموسيقى والمسرح بمساعدة رومانيا في عام 1976م، وأصبحت له إدارة مستقلة وكوادر محترفة تلقت تدريباً في الداخل والخارج، وأنتجت العديد من الأعمال المسرحية التي كانت تعرض بصورة راتبة على خشبة مسرح الفنون الشعبية بأم درمان عصر كل جمعة، إلى جانب استعراض فرقة الأكروبات السودانية، لكن هذا المسرح وعلى الرغم من أهميته الفائقة في مجال الترفيه والتعليم، قد اختفى منذ أكثر من سنين باستثناء بعض العروض الخجولة التي لا تتناسب وتاريخه، تاركاً خلفه استفهامات حيرى عن الظروف والمسوغات التي دفعت به نحو كواليس الغياب الذى يرجعه بعض المهمومين وذوو الصلة بهذا الفن، لضعف اهتمام الدولة وشح الأموال المخصصة للإنتاج المسرحى والفنون بصورة عامة. [email protected]