تجري رياح الربيع العربي فيما يبدو على عكس ما تشتهي الحكومة السودانية، فبعد ان استبشرت خيرا بمقدم الثورات العربية «قال قادتها ان دول الربيع العربي لحقت بربيعهم الذي جاء في عام 1989» وظنت كل الظن انها ستملأ اشرعتها بنسمات دول الجوار العربية اسلامية لتنطلق نحو تطبيق مشروع ظلت تحلم به منذ نحو ربع قرن بانفاذه في البلاد والعباد، ها هم اخوان مصر يديرون لها ظهرهم بعد ان فعل قبلهم اخوان تونس حين تبرأ زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي من دعم نظام الخرطوم، وقال فى ندوة «الثورة والانتقال الديمقراطى فى الوطن العربى: نحو خطة طريق»، التى عقدها مركز دراسات الوحدة العربية فى تونس العام الماضي «أيدت النظام السودانى فى حدود ما بلغ علمى به»، وبعد ان مضت سفن ليبيا بعيدا بما اسفرت عنه صيغة مؤتمرها العام. ما حرك ساكن العلاقة بين الخرطوم الانقاذية والقاهرة الاخوانية ما جاء في الانباء قبل عشرة ايام من ان الحزب الحاكم في مصر يجري مشاورات مع حركة العدل والمساواة السودانية حول الاوضاع في السودان بل ما شكل مفاجأة للخرطوم ان الامر تعدى المشاورات بالدعم الصريح لاخوان مصر لاي حراك سوداني ينشد الحرية والعدالة والمساواة ، اذ قال المتحدث الرسمي باسم حزب «الحرية والعدالة» المصري وليد حداد خلال لقائه وفدًا من حركة «العدل والمساواة» بأن مصر مع خيار الشعب السوداني وتدعم الحرية وتحرير الشعوب من الظلم، وأكد حداد أن مصر الثورة تقف دائمًا مع تطلعات الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية، وأشار لضرورة التواصل بين كل القوى السياسية في الساحة السودانية حتى تتحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدل والمساواة والديمقراطية والكرامة الانسانية، مما عده البعض وقتها اعلانا صريحا من اخوان مصر لدعم طروحات المعارضة السودانية. الا ان ما جعل الامور تبلغ مبلغا لا سكوت عليه ما تلا ذلك من تحركات للجبهة الثورية والقوى السياسية الموقعة على وثيقة الفجر الجديد في القاهرة وعقدها لعدد من الندوات واللقاءات للتبشير بالتغيير المتفق عليه بينها في السودان، مما اضطر معه سفير السودان لدى مصر الى ارسال رسالة غاضبة للقيادة المصرية موجها انتقادات شديدة لمصر ممثلة في حزبها الحاكم، بسبب اقامة حركات مسلحة سودانية بالقاهرة، وقال كمال حسن علي: «نشعر بقلق شديد لوجود هذه الحركات في القاهرة، وتوفير الملاذ لهم غير مقبول من جانبنا»، واضاف «نشعر بقلق شديد لوجود هذه الحركات المسلحة في القاهرة، مع علمنا أنهم لا يتلقون دعماً مسلحاً من مصر، غير أن وجودهم بها يوفر لهم غطاءً سياسياً، وهو ما يقلقنا». وأشار الى أن الحركات تتحدث بمصر عن وثيقة كمبالا لاسقاط النظام وهو الأمر الذي يمكن أن يعمل على توتر في العلاقات ويجعلنا نتعامل مع الأمر بحساسية. وقال السفير « ان فتح الباب لمن يحملون السلاح لاسقاط الدولة السودانية، مسألة مرفوضة». اذن الأرض تمور، فالعلاقة بين الطرفين التي كانت تمضي ببطء شديد غير معروفة الاتجاه. الى الامام تسير ام الى الخلف طوال سنتي ما بعد ثورة يناير المصرية التي تسيدها اخوان مصر يتكشف الآن انها تمضي الى الخلف وهذا بحسب الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر يعود للتقدير الخاطئ للقيادة الانقاذية التي حاولت تجيير النظام الجديد في مصر لصالحها وكانت تتصور ان يكون مؤازرا للنظام في السودان ايا كان سلوكه تجاه القضايا الاساسية المتعلقة بالحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الانسان، واشار عمر في حديثه ل» الصحافة» عبر الهاتف امس الى انهم في لقاءاتهم مع الحكام الجدد في مصر تحدثوا معهم عن انه لا يمكنهم موالاة نظام شمولي. منبها الى ان مصر الان مفتوحة بشكل كبير وفيها حريات وبالتالي لا يمكن ان يوالي حكامها نظاما مستبدا يقوض الدستور ويصادر الحقوق الاساسية للانسان. ويشدد عمر على ان الحكومة اساءت التقدير منذ البداية حين ظنت ان القادم لحكم مصر سيكون حليفا لها في حين انه من الطبيعي ان يكون حليفا لاهداف الثورة. وغير بعيد من ذلك تذهب الباحثة والاكاديمية المصرية الدكتورة اماني الطويل حين تقرر ان الطرفين متباعدان وان كانت تستند على اسانيد مغايرة اساسها نظرة الحكومة السودانية لما يجري في مصر وذلك حين تشير الى ان الحكومة السودانية ربما كان لديها تقدير ان الاخوان المصريين لم يكونوا في ممارستهم السلطة بمستوى الكفاءة الذي توقعته وبالتالي قررت التراجع عن وضع بيضها في سلتهم فالحكومة السودانية بحسب الطويل ادركت حجم المقاومة الشرسة التي يقودها المجتمع المصري ضد حكم الاخوان مما يعتبر فشلا سياسيا للاخوان، ولعل الحكومة السودانية «والحديث لاماني الطويل مع الصحافة عبر الهاتف امس» قرأت الواقع بتمحيص وادركت ان المؤسسات المصرية مازالت قوية وكذلك المجتمع. وان كانت الطويل ترى ايضا ان القاهرة تفتح ابوابها للمعارضة السودانية بغير وعي لانها تعيش حالة عدم استقرار ولعدم وجود الكثير من المحظورات على القوى السياسية السودانية المعارضة. وتشير الطويل الى ان الساحة صارت مفتوحة لمن يريد ان يتحرك بغير حساب لسببين: الأول ان متغيرات الثورة المصرية ثورة 25 يناير اتاحت مناخا كبيرا من الحريات واضعفت المؤسسات التقليدية، والثاني عدم كفاءة الاخوان المسلمين برئاسة هشام قنديل في ادارة الشؤون المصرية الداخلية والخارجية. اذن هل هي مفاصلة بين اخوان السودان «في شقهم الانقاذي» واخوان مصر، كمال عمر يجيب: نعم، ويقول ان اخوان مصر اقرب لحزب المؤتمر الشعبي وان على الحكومة ان تبحث في اماكن اخرى عن تحالفات اخرى سواء كان ذلك في تشاد أو غيرها، بينما يرمي استاذ العلوم السياسية بجامعة بحري الدكتور عمر عبد العزيز باللائمة على السفير السوداني بالقاهرة ويقول انه ربما كان يتصرف باجتهاد شخصي معبرا عن اعتقاده بانه لا يتصور ان تكون القيادة في السودان اجتمعت واتخذت قرارا بالمعني الذي ذهب اليه السفير ، ويستدرك بالقول «ليت الأمر يكون كذلك»، ويشرح عبد العزيز وجهة نظره من واقع ان العلاقة مع مصر اعمق من ان تتأثر باشياء صغيرة والعلاقة بين الخرطوموالقاهرة حاليا لن يقدح فيها استقبال مصر للقوى السياسية والحركات الخارجة على حكومة الخرطوم . ويضيف «بل ان الخرطوم تدرك ان ايواء القاهرة لهذه القوى افضل لها من ان تكون في كمبالا، لسببين: الأول لأن الحكومة المصرية الحالية لا يمكنها ان تدعمهم كما كان يفعل حسني مبارك. الثاني، ان الحاضنة لديها تأثير على المستضاف في حال ارادت الخرطوم التفاوض مع المعارضة وبالتالي فان القاهرة افضل بما لا يقاس مع كمبالا». ويرفض عبد العزيز جملة وتفصيلا فرضية التباعد بين اخوان الخرطوموالقاهرة، ويقول ان التحالف الاستراتيجي بينهما قائم وربما تحد من تفعيله مرحلة «تثبيت الارجل» في القاهرة حيث يواجه حكم مرسي تحديات داخلية وخارجية ربما تأخذ منه الاربع سنوات الأولى لتجاوزها. بينما تشير اماني الطويل الى بعد آخر يعزز الفرضية التي يرفضها عبد العزيز وتقول ان العلاقة بين النظامين هنا وهناك محكومة بالعلاقة مع واشنطن ولا يمكن لاخوان مصر الذين صاروا تحت قبضة امريكا وخاضعين لهيمنتها ان يخطوا قيد انملة تجاه السودان تخالف رغبة امريكا.