"ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلاويح للبعيد : كان عيداً للجميع


تلويحة أولى:
الأوسكار رفاهية النزوع إلى اللانهائي
ستكون جائزة الأوسكار والى وقت طويل قائم إحدى أهم محطات المعايرة الفنية للأعمال السينمائية ككل وللحركة السينمائية في العالم؛ وستشكل علامة مهمة كما تفعل منذ وقت طويل للذائقة العامة في الكوكب لتلقي الأفلام والمشاهدة واسستقبال ممثلين وكوادر سينمائية جديدة من مخرجين ومنتجين وموسيقيين؛ وقد ساهمت أكاديمية فنون وعلوم السينما مساهمة كبيرة جداً في الترقي بالأعمال السينمائية؛ فالجائزة تكتسب تقديرها ليس من قيمتها المادية فقط لكن من مجرد الترشيح ثم الاختيار والتنصيب للفيلم أو الممثل أو المخرج أو الكادر المساعد في إنتاج الأفلام؛ وتقدم جوائز الأوسكار متعة خاصة لمشاهديها حيث تكون كرنفالاً يستقي منه المتلقي جرعات عالية من الفن السينمائي وكأنها رفاهية النزوع الى اللانهائي في متعة المشاهدة المحكمة؛ حيث يتمتع جمهور المشاهدين في كل العالم بجميع النجوم الذين يحبونهم ويتمنون مشاهدتهم خارج أعمالهم الفنية كشخصيات حقيقية لاتمثل وانما تقدم شيئاً آخر؛ وبالنسبة لعالم الموضة أيضاً تعتبر الأوسكار منصة لإطلاق التصاميم الجديدة للأزياء للنساء تحديداً؛ من فساتين وتسريحات ومكياج؛ وللرجال أيضاً؛ وفي النسخة الأخيرة من الأوسكار يلاحظ الاهتمام بالأفلام التأريخية أو الوثائقية؛ وقد علا صوت التأريخ الأمريكي أو الوثائقي من خلال عدة أعمال ربما كان أهمها لنكولن وأرغو؛ حيث أقيم حفل توزيع جوائز الأوسكار في أضخم أمسية لصناعة السينما في العالم في أكاديمية فنون وعلوم السينما على مسرح دولبي في هوليوود ليل فجر الإثنين في آواخر فبراير الماضي.
وفاز فيلم آرجو
(ARGO)
الذي يتناول أزمة خطف رهائن أمريكيين في إيران بجائزة أوسكار أفضل فيلم متفوقاً على فيلم (لينكولن) (Lincoln)الذي يتناول قصة حياة الرئيس الأمريكي الراحل ابراهام لينكولن.
ويحكي الفيلم قصة حقيقية لمحاولة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إنقاذ ستة دبلوماسيين أمريكيين من إيران بعد اندلاع الثورة الإسلامية هناك عام 1979 تحت غطاء تصوير فيلم هوليوودي مزيف. وفاز آرجو بالجائزة بعد فوزه بعدد كبير من جوائز هوليوود لكن مخرجه بن أفليك استبعد من قائمة المرشحين لجائزة أفضل مخرج.
وحاز فيلم آمور« للمخرج النمساوي مايكل هانيكه على جائزة أفضل فيلم أجنبي، بينما فاز فيلم «برايف» بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة
وفازت «آن هاث واي»
بجائزة أفضل ممثلة عن دور ثانوي، بينما حصل النمساوي كريستوفر فالتس على جائزة أفضل ممثل في دور ثانوي. وشكر المخرج النمساوي بطلي فيلم «آمور» جان لوي ترانتينيان
وايمانويل ريفا المرشحة للفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة؛ وتقوم ريفا بدور آن التي تصاب بجلطات دماغية وتفقد شيئا فشيئا قدرتها على الحركة حتى يخونها جسدها كلياً تحت عيني زوجها جورج العاجزتين (جان لوي ترانتينيان).وقال المخرج النمساوي متوجها الى الحضور «شكرا جزيلا يا له من شرف».
وفاز فيلم المغامرات السكوتلندي
(Brave)
بجائزة افضل فيلم، وحصل فيلم
(Life of Pi)
على جائزة «الصور السينمائية» وجائزة «المؤثرات البصرية».
وقال مصمم الصور السينمائية كلوديو ميراندا في كلمة عاطفية ألقاها بمناسبة فوزه « لقد كان إنجاز هذا الفيلم مهمة شاقة».
أما جائزة افضل فيلم وثائقي فقد حصل عليها فيلم (Searching for sugar man).ويتناول الفيلم قصة إعادة اكتشاف المغني وكاتب الأغاني الأميركي
ساكستو رودريغيز« الذي اختفى من
الحياة العامة بعد أن أصدر ألبوماً في أوائل سبعينيات القرن الماضي..
ولم يحالف الحظ الفيلم الفلسطيني «5 كاميرات مكسورة» الذي يصور المقاومة السلمية في بلدة بلعين في الضغة الغربية للفوز بجائزة أوسكار.
وفازت النجمة جنيفر لورانس بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها بفيلم(Silver Linings Playbook). ونافسها على الجائزة النجمات ايمانويل ريفا عن فيلم( Amour)، وجيسيكا تشاستين عن فيلم(Zero Dark Thirty)، والطفلة كوففينزهان ويلز عن فيلم(Beasts Of The Southern Wild)، وناعومى واتس عن فيلم)
(The Impossible.
وفازت الممثلة الأميركية آن هاثاواي، البالغة من العمر 30 عاماً، بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في دور مساعد، وذلك لدورها في فيلم «البؤساء»، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه صدرت عام 1862 للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو.وقد صعدت المغنية شيرلي باسي إلى المسرح وغنت أغنية (Gold Finger) ضمن الاحتفال بمرور 50 عاما على إنتاج أول أفلام جيمس بوند. وكان بين المغنين الآخرين الذين قدموا وصلات غنائية بربارا سترايزاند ونورا جونز وأديل
الى ذلك حظى فيلم «نصف ساعة بعد منتصف الليل» الذي يروي قصة تعقب زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن لمدة عشر سنوات وقتله باهتمام في الكونجرس الامريكي أكبر
مما ناله في حفل توزيع جوائز الاوسكار وسط لغط سياسي حول تصوير الفيلم للتعذيب ومعلومات المخابرات التي ورد أنها تسربت لصناعه.
وكان الفيلم أثار غضباً بين الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن بسبب تصويره للتعذيب ومزاعم بأن ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما سربت معلومات سرية للمساعدة في صناعة الفيلم الذي لم يحصد أيا من جوائز الاوسكار الرئيسية وانما فاز بجائزة واحدة.
وظل الفيلم الذي ينتهي بقتل قوات أمريكية خاصة لبن لادن في باكستان حتى ثلاثة أشهر فقط منافسا قويا على جائزة أوسكار أفضل فيلم بالاضافة الى ترشيحه لجائزتي أفضل ممثلة وأفضل سيناريو أصلي. لكن الفيلم اقتنص جائزة واحدة في تركيب الصوت وفاز بها مناصفة مع فيلم آخر.
وكان الفيلم لاقى انتقادات شرسة في الاسابيع القليلة الماضية بسبب رسالته الضمنية بأن التعذيب ساعد في القضاء على بن لادن.
تلويحة ثانية:
(عمل).. جماعة في أزمنة الفرد
مجموعة من الشباب الموهوب والمهموم والحاذق كلٌ في مجاله؛ لم يسمحوا للسكون الذي يربض هنا في هذه البلاد في المشهد الثقافي تحديداً أن يصيب أرواحهم بالصدأ؛ كافحوه ب»لمَّات» الصحبة أولاً وبالفعاليات البسيطة التي تأتي عفو اللقيا في منازل الأصدقاء أو المقاهي الجانبية التي تقبع في الهواء الطلق؛ تجمعهم كلهم صداقات نادرة ولطيفة؛ وهَم كبير بتحريك ساكن الفعل الثقافي وعدم انتظار شيء؛ ابتدروا مشروعهم الجميل بتدبير بسيط..الكتب المرتجعة..فكلهم يجمعهم شغف القراءة والكتابة والتشكيل والدراما والفنون الجميلة والتي تشكل القراءة أرضية صلبة لكل ما سبق؛ لذلك كانت البداية بسيطة ومبتكرة اقامة معرض كتاب للكتب المرتجعة بالموارد الذاتية؛ حمل كل واحد منهم بعض الكتب الخاصة بمكتبته؛ وجاءوا في اليوم المنشود بمقهى «أتينيه» بوسط الخرطوم؛ «فرشوها» على الأرض؛ وجاء آخرون يحملون آلاتهم الموسيقية وبعضهم جاء بلوحاته؛ وتم كل هذا الأمر ببساطة وجمال مربكين؛ كان عيداً للجميع؛ لمن كان يعرف بالأمر ولمن أتت به المصادفة؛ تأسست عقب ذلك جماعة رسمية تم تسجيلها وأطلق عليها اسم «عمل» والتي دشنت عملها بحق وحقيقة بعيداً عن الإعلام وفلاشات الأضواء؛ ورش ومعارض واحتفالات وفي البال ملايين المشاريع المؤجلة والتي قيد طبع خيالاتهم الجميلة.
وقد كثَّفت جماعة عَمَل الثقافيَّة، منذ العام الماضي 2012م، ومن خلال مشاريعها
«مفروش» وغيره..
حملةً لتسليط الضوء على أوضاع الكتاب في السودان. وفي شهر مارس احتفلت (عَمَل)، بمشاركة معهد جوته السودان، بتنظيم ثلاثة أيام مفتوحة تحت عنوان (تحيَّة للكتاب والمكتبات)، والتي تأتي بمثابة تحيَّة لدور النشر والمكتبات العريقة (مروي بوكشوب، سودان بوكشوب، دار جامعة الخرطوم للنشر)
. وذلك في الفترة ما بين 2 - 4 من شهر مارس 2013م بمتحف السودان القومي.يصاحب الاحتفاليَّة معرض تشكيلي جماعيّ لمجموعة من التشكيليات والتشكيليين، ومعرض للصور الفوتوغرافيَّة التي التقطها الأطفال أنفسهم خلال (مشروع التصوير المدرسي) الذي نظَّمته(عَمَل)في أكتوبر 2012م.
مجموعة عمل تحاول أن تقول إن الذي يريد واقعاً أجمل وأفضل عليه عدم انتظار شخص آخر ليقوم بذلك إنابة عنه؛ وعليه عدم انتظار الوقت المناسب..فالآن سيكون مناسباً لكل شئ وكل الاحتمالات..
عمل تفتح بوابات الحلم على مصراعيها لواقع أفضل وأجمل وأنضر.
تلويحة ثالثة:
أتتذكرين ياهولي كل ما لم يحدث بيننا ؟!!
أنت واقفة كالنهر أمام القصر الرئاسي العتيق والغامض..تنتظرينني في الأقواس بعناد وترقُّب وحذر..وتجللين (التركوازي) الأنيق الجميل بهيئتك الباهرة، البهية، والمربكة.. وبنطال الجينز الازرق الخاطف يتنفس غرق مزاجه في اللاتصور .. يا اله المساكين..كيف بوسعي احتمال كل هذا؟؟.. كان العصف المستمر والبرق الأول يكتبان على أوردتي ويرسمان.. هل هذا المشهد حقيقي؟؟..
وقفتُ قليلاً لاتنفس، دخنتُ سيجارة كاملة ومائة بحيرة وأنا أعاينك....تشبهين تصوراتي عنكِ قليلاً..لكنك أجمل..أكثر فتنةً وطفولةً..جذابة بحيث لايمكن للشوارع أن تنظر بإتجاهك وتخطئك..كان الذهول يخيّم على شارع القصر ونحن نمر بين العربات والناس والمباني التي كانت تغمز لي: (أمك داعية ليك)، وانا يملؤني فخر طفولي حاسم ونفخة ذكورية خارج عن سيطرتي تماماً وصامت كهاتف مذهول وبلاكهرباء,..
الصباح كان عظيماً وكأنه أول صباح لكوكب الأرض. طازجاً.. قادماً من منجم سحرك الكثيف
هل تتذكرين ياهولي؟؟
وانت تغرسين في روحي مدائن ساحلية جديدة ونوارس ونبوءات وحيوات ورؤى وأشجار من طفولات بينما تضحكين في السهوب المعدة كلها لخطوتك..وتحرسيني من جنون انتظارك الفاتك بحفيف عذب وعروش غائمة وزوارق من ابتسامات وقواميس تمطر أثناء النظرة الشغوفة , تأخذين اسمي الى جذرٍ في البطش وسماءات باهظة ومساءات رشيقة ممهورة بنجمتك النادرة .. وأنت مني وتدفعين بي الى الهمس.
هل تتذكرين ياهولي؟؟
وانت تقطفين الصور من ذاكرتي وتمنحينها الى جنيات طفلات عابثات وتضحكين , تمنحين صوتي موهبة الولع, وتهبن الدروب التي عبرناها شغف المشاغبة والغواية, يا أمرأة تصنع ايامي كلها في لحظةٍ واحدة وتفك طلاسم كياني الذاهل منذ ابصرتها ،
المدينة الكبيرة في ارتباك واسمك يتجول بين جنباتها خجولاً عاشقاً وشاهقاً، تمنحين بناياتها العنفوان والفتنة والمكابرة العارفة, وانا بينك وبينك اتعرف عليّ اولاً قبل ان اتعرف علي جنون اللحظة وجنون العالم وجنون الوقت وجنون الشراسة التي نحتت شكلك وشكلت جسدك وغلفت روحك بهذا الجمال النادر, وانت الصغيرة الجميلة الخجولة الذكية المعتوهة التي تجمع بين كل شئ وضده ببساطة آهلة باللاتضاد...وأنا اتشبث بالحواف القاتلة لئلا تغويني الهاوية الصادقة التي فتحت شرفاتها مذ أبصرتك..وكان كوكبنا الصغير البائس يترنح تحت الوطأة وذلك الصباح الماطر يتنفس رسمك ويدفعني للهذيان يا هولي.. يا هولي
أتتذكرين؟؟ اتتذكرين كل ما لم يحدث بيننا وهو يتخلق في أثير الله العظيم تحت طبع القيد المشروط وحرية اللانهاية التي دفعتنا للقاء مستحيل في مدينة غريبة وحزينة ومكتظة بالبشر الغريبين؟؟
كنتِ المصادفة التي انتظرتها والسحر الذي لم ألتقه، والوسامة المذعورة، والبساطة المربكة والتعقيد الحلو والندرة الشفافة والنصل الذي كان في شراييني منذ الأزل والأحلام الفاتكة واليأس الحلال ،كنتِ الألم الماحق والغناء الساحق والمعجزة المبجلة.. وانا كنت مديناً لقدومك الباهظ بكل شئ..كنتَ الحجر الذي استيقظ بك وتنفس في ريعان الأشياء حياته الهائلة، كنتّ الطليق الذي انتظر ابداً جلالة قدومك المبجل تحت الأنقاض التي تتكاثر كل يوم.. كل لحظة، كنتَ الشهوة الآجلة والحزن العقيم والموت الراعف ، وكنتُ أبحث عنكِ في كل مكان وكل وقت وكل شئ...حتى وجدتك..أتتذكرين؟؟
وانت تلثغين العناصر كلها اثناء الكلمات في هدوء وفتنة، تنثرين شعوباً من النداء بيني وبينك ، وكأنك لست في جسدك، كأنك لست في جسدي.. أية امرأة انت يا هولي وكيف تسنى لك المستحيل بكل يسر وسلاسة؟؟، وانت تدفعين بي الى اعماق الدوار في ذلك الصباح المستيقظ الناعس الماطر الذاهل حتى الآن وانا اطفو يا هولي على أنهار من بلور وغيوم، أتتذكرين؟؟
نطقنا رعشتنا الأولى آلاف المرات ، طبخنا الحكايات كلها مرةً واحدة ونحن ننظر الينا أخيراً ، ونحن نركض الينا ونحن
نكتبنا ونحن نفترسنا ونحن نغزلنا ونتغزل بالصمت في الهواء المعلق بيننا ..كنتِ النبع الذي لانجاة من عطشه الا بالعطش ، كنتِ الطفلة الأولى للبراري والعذوبة المتوحشة، وكنتُ الرجل الذي محقت الخسارات دربه وذهب به الخيال الى هناااااااك
يا اله السنوات الخمس القادمة...والتي تليها..
أتتذكرين كل هذا ياهولي؟؟
كانت أقواس قزح تربضُ قرب ثغرك وتجلّل الطراوةَ البالغةَ بلهفةٍ حارسةٍ لبشرةِ الحدس، وعيناك الشاردتان في جاذبية قاتلة تقودان النور الى فخاخ آهلة بالعذوبة.. وانا الغارق في كل هذا.. في ارتباك مراهق أغرق في الهمس وأتشبث بالنعاس والأحلام والسديم.
كانت المعجزة الخارقة أمامي..بين ساعديّ.. وكان الجسد يتلو صلواته تحت أمطار ساهرة وغيوم متبتلة وصباح نادر,وانا في الأجنحة الكثيفة التي كانت تنبت في الفضاء الذي بيني وبيني , وانت يا حلوتي تهبطين في اقليم هجرتي اليكِ.
اتيتُ لكِ وحدكِ يا هولي يا صغيرتي البعيدة..
أتتذكرين؟؟
تلويحة رابعة:
حُلم
الورقة خاليةٌ إلا من أحلام
الكُتَّاب. . .
وكلماتٍ منسية. . .
والورقة. . .
بيضاءُ، يمر بها الصمت
و لا جدل من الصمت
أو . . . . الورقة. . .
لكن الحبر السائل يأبى
أن يقعي في التيه. . .
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
كم أحلم أن لا أكتب
هذي الليلة
!!. . .
تلويحة خامسة:
ماذا نريد من الخلود؟..ماذا يريد منا ؟!!
(لو كنت تريد تدمير الاعتقاد بالخلود في الجنس البشري.. ليس الحب فقط ولكن كل قوة حيوية تدفع على استمرار كل أشكال الحياة في العالم تعتمد عليها من شأنها أن تجف في وقتٍ واحد).
فيدور دستوفسكي
(الوجود كله صورة واحدة تتكرر بلا انقطاع في الزمن اللانهائي).
نيتشة
يالها من يقظة تلك التي تنشج في قلب المعنى المسفوح على كوكب الرؤى ، يالها يقظةً مثقلةً بالأجوبة الخفيفة المنتحبة، الناهضة المتبرئة من الأسماء والمعاجم, وهي تركض في الهاوية ملتاثة ووحيدة رغم الجمهرات ...يالها من رفقة مكنوزة بالأسرار والامتحانات الوجودية الباهظة وأنت ترى الى نكهة الحياة تتناقص في صلافة محكمة .
لكنك جدير بهذه الوحشية اللائقة البرية المضمنة في السؤال الهش والمربك : ماذا نريد من الخلود؟؟ لكنك جدير باللاجدارة المروعة المنتشلة من ترف محدودية السؤال ولانهائيته : ماذا يريد منا ؟؟ لكنك في السؤال كل مرة ..مرة.. تهفو بفضول الهندسة لتجُّس معدنَ الغفلة وتبذله للدروب.
هكذا يأتيك المكان الصائر الى وقت مترع بالجيوش والسطوة , وانت في الزفير تنثال وتترمل وتتكاثر عليك القواميس والجهات في شهوانية الدمع, هكذا توشك أن تنثر الحكايا مأخوذاً بالنور والشحوب يرتق جسد المسيرة بالتخيل.
ما أصغر العالم في حدقات الخلود...ما أبشع الخلود في حدقات العالم.
والخلود هو الشساعة المهدرةَ القفر، المدهونةَ الضجر الغافل المغلف بالتكرار، هو أرق الكائنات على بساط فنائها الملون, هو الشهقة التي أقضت مضجع الإنسان بالتوق المستحيل الفقير .
كلما دلقتَ على روحك أجوبة هينة ستضطرب الأشجار في جسدك بالسؤال الهش المغسول بالموت والتجربة والفيزياء.
غرباء هكذا في صبرهم داخل قوقعة الوجود، محكومون بالأمل والوحشية والحقد، يكتبون بالمصادفة التي أحكمت شرط وثاقها على معناهم, منذورون للعبث، يكتبون الحكاية الصغيرة المخيفة الجاهلة تحت جحيم حضورهم الغريب والمبهم ، وعلى جلد الطمانينة الغافلة ينقشون أسماءهم الذاهلة الواهية ليسبكون الطبخة الاكثر غموضاً..
البشر..يالهم..!!
بين الوقت والمكان ترقب جسدك يتأرجح مجهشاً بالأعذار غائصاً في الأعطاب المزمنة والهباء المعد لمصادفتك الصادمة الملتاعة من نزق الضرورة, بين الوقت والمكان.. ها أنت ترعش لاجئاً مخدوشاً تحت فحش لانهائية هذا الأسر الجبان ..ترتب كل مرة حكاية جديدة تسهر على مجابهتها ، وتجابه كل مرة حكاية آهلة بالنبذ والعزلة بين الوقت والمكان.
والخلود سريرٌ مذعورٌ عارٍ تبهجه النسيانات وتباغته رفقة الموت الجذابة بالضلالة المتحفزة، مغموراً بوسائد المستحيل الكافرة على حالها حتى اذا أنتحب طفلُ الوجود الشريد هدهدته المبارزات الخافتة وجللت غفلتَه الفتنةٌ المفجوعةُ بالوقت.
وأنت تلهث تحت جمر التجربة الشاخصة ، مباغتاً بالغرائز والأقاصي تتنقل من خبل الى هذيان ومن وحشيةٍ الى سكينةٍ يائسةٍ، مخذولاً بالكائنات, وحارساً لعدمك الصغير النابض بتفاصيل مهجورة ولغات تعرّف أخلاط الحياة البشرية المستدرجة بالصلصال والغربة المخبولة ,وأنت في التجربة الباسلة تبتكرُ جسدَك المحاصر بعصف المهالك وشراك الطمأنينة ..تبذل الخطى المهدورة كلها لوهم الحياة حتى لم يعد الخلود كافياً لإباحية الخلود.
والخلود الذي شحذت وهمه الأساطير وخففت من روعه التورايخ وأطلقت المواريث جماحه من قيود الفتنة لن يكفي ليعادل اجهاشة البشريّ بين شقاء الفيزياء وهدنة الأقاصي والكشوفات ، لن يكفي ليهدئ روع البرية المشبوبة المهجورة بالشهوات والاجنحة والأوهام..لن يكفي لينطق خرسه العادل بذرائع أقل من النسيان وجأش أوشك من الأسرار.
كلما لملمتَ هيئاتك المنثورة في غيبوبة الخيال المفرط في التناوب بين اللغة وهيكل الحياة ..كلما أخترعتَ مساراً للظلال الذاهبة في الحكاية الصاخبة المصفدة بصلصالك الضال المموّه بالهباء..كلما دبرت شهوةً لأسطورتك الغافية ..يفلح الهول المصاب بإسمك في خيانة البلاغة المالحة للخلود وهو يمرح في جغرافيا ملغومة بالنياشين والقتل والأيام والوهم.
ماذا نريد من الخلود؟؟
ماذا يريد منا؟؟؟
تلويحة أخيرة
اسْتقبالُ الشطْح
أتساءل: أليْسَ الجسد هو المادةُ الأولى لحيَاتنا؟ سؤالٌ يفيد أنّ الجسد صنوُ الحياة. فلا حياة بدون جسَد ولا جسدَ بدون حياة. عندما ينتفي الجسدُ نكون أمامَ الموت. والموت وحده. ولأنّ الجسد حيٌّ فإن كلامَه لا نهائي. كلامُ الذات التي لا تعْرفُ الاستقرار. رحيلُها دائم، رحيلٌ في المجهول. ولذلك فإن الكلامَ، كلامَها، كلامَ الجسد، مهدَّدٌ أبداً، منْ شكٍّ إلى شكّ، ومنْ مضْيقٍ إلى مضْيق، حيث الحبسة تتكلّم، والصمتُ يُعيدنا إلى البدْئيِّ، وجهاً لوجه مع ما لا يُسمّى. وليس لكَ، عند ذاك، سوى أن تستقبلَ الشطحَ الوافدَ منكَ عليك، كلاماً يمجد الهذيان، ينقلُك إلى المُنفلت، المتمرّد، المُخيف.
هكذا يظهرُ الجسَدُ أمامك في المكتُوب، يمتدُّ في مُتعة وشهْوانية لا حدودَ لهما. تخرجُ الكلماتُ على ذاتها. تضيع. فلا شيْءَ غيرُ الليل، فيهَا وفي الكلام. وأنتَ لا تدري أيَّ قوة جَذبتكَ وقادتكَ إلى هُناك. تتبع الكلامَ في جسَدك، تتشظّى، بين ليْل وليْل، حتى لا نهايةَ لما أنتَ فيه. ولا علاجَ لكَ منْ كلام هو أنفاسُ الحياة فيكَ. فلا تندمْ، ولا تسْتعجِلْ.
كلامٌ كان ينبثق في غفلة عنّي. ويدي كانت تُلازم تلك الانبثاقات. مرة بعد مرة تكتبُ مذكرات، في شكل نصوص لها وضعُها الشخصيّ. لم أمنعْها ولم أتخلّ عنها. تركتها حرة. فهي كانت تفاجئني بعالمٍ مجهولٍ لا أعرفُ أين كانَ من قبلُ يختفي أوْ كيف كان يهجم في أوقات مباغتة. توتراتٌ في أقصى حَالاتها. ويدي تكتبُ المنفلتَ، المتمرّدَ، المُخيف. كلامٌ ينفجرُ شطحاً بين الأصابع. وأنَا أستقبله. ذلك نفسُه ما يأمرُ به قارئَه، الذي يقبَلُ بجسد قارئ حيٍّ، يستقبلُ بدوره كلامَ الجسد، الشطحَ، فلا يتخلّى أو يتراجَع. سيكُونُ مع المحسُوس، الحيويّ، الرّاقص. وكمَا أنّ كلام الجسد لا نهائيٌّ فإن قراءتَه لا نهائية. لهَا التوليدُ والتأويل. وفي كل مرة تدلُّ على فضاءات مُقبلة منَ المُستقبَل، في المُستقبَل.
بذلك أمرَني كلامُ الجسد، بعد أن استحْوَذَ وملَكَ، في نصّ، ترْكيبٍ، كتابَة. هناك، في هذا الكلام، ما يلمعُ بغير المُطمئن. وأنتَ تعثرُ على أنفاس تنتعش، تتعرّى. جسد يتكلم. ولكَ نعمةُ أنْ تَكتب.
(محمد بنيس)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.