ما أن ترخي الشمس أشعتها معلنة انتهاء تفاصيل اليوم ويبدأ الظلام يجثم على المكان حتى تجد الأطفال يتحلقون حول عنقريب حبوبة الذي يتوسط الدار فقد حان موعد الأحاجي ...فاطمة السمحة ..ود النمير ...الغول ..ود أمبعلو ...بله وبلوله وغيرها من الحواديت التي لا تجيد سردها الا الحبوبة، فيلتف حولها اطفال كل الاسرة الممتدة ، تروي لهم تفاصيل قصص تحمل الكثير من التشويق والمتعة ويساعد في نماء وخصوبة الخيال لدى الاطفال وتغرس فيهم حب الخير من خلال الشخصيات الخيرة في الاحجية وتدعو الى روح التعاون ، ويمثل الغول دائما حضورا بشخصية الشر الذي ينتهي بموته او دخوله السجن كرمزية للشر والى نهايته الحتمية ، وترسم صورة القدوة الحسنة في شخصية فاطمة السمحة وود النمير كان ذلك في الزمان الماضي . اما الآن في عصر التكنولوجيا والتطور المعلوماتي المستمر نجد أن افلام الكرتون والانترنت قد سحبت البساط من اقدام الحبوبة تماما مما اضر بمخيلة الاطفال التي قفزت الى آفاق ابعد يراها البعض سلبية كما يقول : ياسر الخير بان انصراف الاطفال الى الجلوس امام شاشات التلفزيون والعاب البلي استيشن والفيسبوك ولدت بداخلهم رغبة الانطواء داخل المنزل والأنانية والعنف بصورة مخيفة ، والعنف يظهر بصورة كبيرة داخل اسوار المدرسة من احداث العنف التي اصبحت تخلف الكثير من الاصابات حتى داخل رياض الاطفال . بينما تضيف سناء يوسف ان المساحة ما بين الخيال في احاجي الحبوبة معقولة جدا وتساعد على تنمية القدرة الخيالية لدى الاطفال اما الكرتون خاصة وان الاطفال يميلون الى درجة الادمان لا يضيف اليهم لانه ينأى بكل شئ عن الطبيعة ولا توجد مساحة للربط ما بينه والواقع ، والإسراف في الخيال يبعد الصور الواقعية . ويقول جعفر مهدي ان افلام الكرتون والتكنولوجيا جاءت خصما على مكانة الحبوبة لذا الكثيرات منهن يرون فيه صورة الغول الذي يتردد في احاجيهن فقد اصبحت لا تجد من يؤانس وحشتها ولا من يستمع لها ليخمد بداخلها ذلك المخزون الثر الذي اكتنزت ثقافته من خبرة الايام والسنوات ، لنجد اطفالنا تحت اثر استلاب ثقافي اثر حتى على منظومة الاسرة حيث اصبحت الحبوبة انطوائية في احد اركان المنزل والاطفال منطوين تحت شاشات التكنولوجيا البراقة والوانها الجذابة وأصواتها الصاخبة . وفي ذات الاطار يقول عمر علي انه تفاجأ عند دخوله المنزل بابنته ذات الاربع سنوات تؤدي احدى الرقصات الهندية وتدعوه الى تقليدها ولكنه عندما حاول الرقص اخذت تشير اليه في مواضع الخلل وانه لم يجيد الرقصة كما هي، وقال ما ادهشني انها كانت تؤدي الاغنية والرقص بتناغم متناهي ، وقال عمر إن الاطفال في الوقت الراهن تجاوزوا مسألة تلقي احاجي الحبوبات فهم وقعوا تحت تاثير شخصيات كرتون خارقة لا تقبل بالتدرج الخيالي البسيط والمنطقي الذي تسوقه احاجي الحبوبات ، فالتكنولوجيا اثرت على عقلية الاطفال بطريقة ايجابية الى درجة ان الاطفال يستطيعون برمجة القنوات وإضافتها وحذفها ، وليس بعيدا من ذلك يقول عباس محمد ان ابنته ذات الاربع سنوات كانت تفتح جهاز الكمبيوتر لوحدها فقام بتصميم كلمة مرور خاصة ولكنه تفاجاء بها وقد فتحت الجهاز بعد ان كانت بجواره اكثر من مرة اثناء فتح الجهاز ، ولكن وسط كل هذا الزخم التكنولوجي الذي ينأى بالاطفال الى عالم الاكتشاف نجد ان ذلك يكون خصما على الحبوبة والجد اللذين يجدان في احفادهما خير أنيس وجليس لهما .