ضمن الاحتفال السنوي باليوم العالمي للمرأة والذي درجت على الاحتفاء به كثير من منظمات المجتمع المدني الى جانب الجهات الرسمية ، شهدت حدائق البيت الروماني احتفالات مماثلة بهذا اليوم ، تحت شعار نساء على هاماتهن المجد ، نظمت الاحتفال الجمعية السودانية للعلاقات الدولية « أمانة المرأة والطفل « والتي يرأسها الأستاذ زكريا أدم محمد الى جانب جمعية الصداقة السودانية الرومانية ...اشتمل الاحتفال والذي استمر لمدة ثلاثة أيام على معرض تشكيلي اشتركت فيه الفنانات : هالة طه ، سلمى أرباب ولميس زاهر كما تم عرض لأعمال الفنان محمد أدم من المشغولات اليدوية المصنعه من الخامة المحلية ممثلة في الخيش والدبارة والقرع وغير ذلك، ومعرض للخزف والمشغولات للفنانة مهيرة مجدي سليم ،بالاضافة الى ورشة رسم مع الأطفال ورسم على الوجوه ...شارك في فقرات الاحتفال الفنان أحمد شاويش ، فرقة طبول النيل ، فرقة جامعة السودان وفرقة شباب السجانة ... في اليوم الختامي مع استمرار المعرض تم تكريم الروائية زينب بليل .. بعد أن قدمت كلمة الجمعية الرومانية الدكتورة هالة ميرغني مشيرة الى دور المرأة السودانية في اثراء الحياة ومشاركتها للرجل منذ ظهور الرائدات : خالدة زاهر ، فريدة ابراهيم وغيرهن مرورا بصاحبة نبات الصبار الأستاذة زينب بليل وأضافت أن تكريمها يأتي اعزازا للكلمة وللحوار باعتبارها واحدة من ركائز العمل الابداعي في السوداني ..كما قدمت كلمة أمانة الطفل والمرأة الأستاذة غادة الطيب .. والجدير ذكره أن الكاتبة زينب بليل تلقت تعليمها بمدارس سنجة ثم معهد تدريب المعلمات ثم المعهد العالي للموسيقى والمسرح بدأت رحلتها مع الكتابة في السبعينات لها العديد من الأعمال الروائية والابداعية : الاختيار ، كش ملك ، نبات الصبار ولها مسرحية نكون أو لا نكون والمحاكمة . لها برنامج اذاعي يعنى بالقصة القصيرة يبث عبر اذاعة ولاية الخرطوم يهتم بابداع الشباب استضافت خلاله عدد من النقاد لالقاء الضوء على تجارب شبابية ، من أميز ملامح عالمها الابداعي والروائي الاهتمام الكبير بقضايا المرأة وبالمكان وشخصياتها ذات حراك اجتماعي واسع تميل كثيرا الى الواقعية .. الناقد مجذوب عيدروس قدم اضاءات حول تجربة زينب بليل الابداعية فقال :نحييكم في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ، والمرأة السودانية تستحق أن يحتفى بها وبانجازاتها فقد كانت رائدة في حركة التحرر ، ومساهمة في التنمية .. وأنا شخصياً لا أقر ذلك الفصام بين نضال نضال الرجل وكفاح المرأة في مواجهة صنوف القهر والاستبداد ، فهما شريكان في مواجهة الصعاب . وفيما يتعلق بالرواية السودانية فقد كانت ملكة الدار رائدة في قصصها القصيرة وفي روايتها الفراغ العريض ، وهي ريادة مستحقة .. وعلى ذات الدرب جاءت زينب بليل ونطرح هنا التساؤل حول أهمية الرواية في زماننا هذا ؟ وهل هذا العصر فعلا عصر الرواية ؟ . نجد أن ايان وات حينما قال بالارتباط الفعلي بين المدينة والرواية ، انفتحت الرواية على المتغيرات العلمية والمكتشفة ... ولهذا ارتبطت الرواية بحملها لنبض العصر ، نبض التغيير ... وفي السودان كانت حركة الرواية على أيدي الرواد : خليل عبدالله الحاج ، ابوبكر خالد الخ ...وكانت اهتمامات النقاد بها قليلة ، وازدهر النقد المتعلق بالرواية بعد ظهور روايات الطيب صالح . وهناك تساؤل آخر عن مفهوم الكتابة النسوية وهل عبر الكتاب ? الرجال ? عن قضايا المرأة ، أم أن الأمر يحتاج الى ذات أنثوية مبدعة كي تحسن الكتابة عن قضايا بنات جنسها ؟ وفي هذا كانت زينب بليل مهمومة بهذه القضايا ولكنها في اطار مجتمع كبير يغلب عليه المهمشون .. ففي الاختيار كانت قضية الخفاض وهي قضية أنثوية بامتياز حاضرة .. وفي كش ملك كذلك قضايا المرأة موجودة ? وفي نبات الصبار آخر ما قرأنا لها . في بناء رواية زينب بليل الفني دقة وأحكام ، وهي قد درست الدراما وفيها أيضا دقة واحكام وكذلك كان الحوار احدى ركائز هذا البناء وأدارت لغة الحوار بالعامية السودانية ، وهي عامية تحسبها الأقرب للفصحى ..ولكن فيها شئ من خصوصيتنا وتتطلب توازنا بين معرفة القارئ من قطر عربي آخر وبين جماليات هذه العامية ... وكذلك أفصحت رواية نبات الصبار عن مهارة في ترتيب الأحداث لا في سياقها الزمني فدارس الدراما ينتبه جيدا الى الفلاش باك والمونتاج مما يكسر تراتبية الأحداث ... ويتيح الحوار تعددية الأصوات ... وفي الرواية قدرة على أسطرة الشخوص ولنأخذ مثالا الحسين عازف الربابة فهي شخصية تنقل القارئ الى جو غرائبي { بدأ يعزف على الربابة ، عزف كما لم يعزف ابداً ، عزف منذ الصباح وحتى منتصف الليل ، جاء زبائن عز الأهل وامتلأ بهم الفضاء .. ولم يتوقف الحسين عن العزف . تذكر الحسين حديث أبيه « للشياطين والجن عوالم مثلنا .. فقط لو عرفنا مفاتيح تلك العوالم « ( كان الظلام حالكاً لكن سلطت عين الشئ العجيب ضوءاً كأنه كشافة قطار فسار على ضوئها عازف الربابة) . الخير كان يتمنى أن يكون الحسين رجل قانون ، ولكنه لا يهتم بالدراسة ، يقرأ لحد الادمان كتباً خارج المقررات منشغلاً بالربابة . وفي الرواية صور من انعدام الخدمات وترديها في المجتمع :- الطالب الذي لدغه الثعبان ، والحسين بعزفه أبكى الناس بلا دموع ، حتى الأشجار بكتها وهي التفاتة لتضامن الكائنات مع الحزن البشري ، وهناك مواقف أخرى انسانية « الطفلة وهي تهدي حقيبتها المدرسية لسوسن « . وغير ذلك من مواقف انسانية سطرتها زينب بليل وهي تسير في مشروعها الروائي الذي يستحق أن تمنحه الدولة رعايتها لانجازه ، ونأمل أن تكون هناك منح للتفرغ لانجاز مشروعات المبدعين من الكتاب والنقاد وكما كان معمولا به في مصر عبدالناصر وفي التجربة العراقية .