مدخل: باسم الله نهتدي وأول ما به نبتدي بالصلاة على النبي عبد الرحمن الأبنودي في سبعينيات القرن الماضي، حينما كان نشاط السودان الثقافي في أوجه الانساني، كنا حينها أقرب درجة الى السودنة رغم بعد بعضنا عن بوتقة الاجماع. عند احد مهرجاناتنا الثقافية المنتظمة صعد شاعرنا الانساني عبد الرحمن الابنودي مسرح الاحتفال دونما دفتر شعر بيده طويل هو، واعجب القول لم يقل كما نحن نقول هنا: السلام عليكم، بل رمى بأعالي الكلم في بدء هذى السطور واتبعها كلمات تالية... أنا شاعر، قد ولدت في قرية أبنود في صعيد مصر وقد كان أبي شاعرا وأمي شاعرة. أهل أبنود قوم رحاب، كانوا إذا ضحكوا استغفروا الله، وخلسة ادخلنا الابنودي.. «حراج القط» والسد العالي، وانسابت كلماته نهرا معه التيار جرنا.. لا ادري بم بدأت الحديث هكذا، وانا اكتب لمسة قصيرة عن حلقة شاعرتنا العظيمة الشفيفة روضة الحاج مستضيفة صديقنا ورفيقنا من بعيد عهد ذاك الدرب، بروفيسور عثمان جمال الدين. كانت حلقة وجب لزاما علينا اقتناءها حفظاً على مادتها القيمة الثرة حديثا عرضا واخراجا. لقد اعجبت علو الاعجاب بها. اناقش قصرا وخطافا حديث استاذنا عثمان جمال الدين عبر كلمات ومصطلحات التعابير الثلاثة التي وضعتها عنوانا لهذا المقال، اذ تجمع اكمالا انها ورود تخرج لنا حديقة زاهية ولكنها عندي تتخذ بعداً مختلفا في هذا الزمان الجديد متباعد الاطراف والقيم. اتفق مع عثمان جمال الدين عند قوله عن رد السؤال عن الهوية، عجيب السؤال ولكننا لا نحتاج اليه اذ اننا سودانيون بلا شك، كان ذلك، أخي عثمان حتى عهدنا نحن وهو العهد السوداني الثاني حينما التقينا ادباء وفنانون وسياسيون من كل صوب، ذاك الشيء جمعنا ولم يسل احدنا الآخر، من أي بلد أو قرية انت ومنذ ان التقينا زمانا فلم اسألك ولم يسألنا حسن موسى، عبد الحي، سامي سالم، جورج إدوارد، كبلو، الباشا، الصلحي، محمد عمر بشارة، النور عثمان ابكر، بولا وغيرنا وغيرنا وغيرهن عن ذلك. كان عهد الدهر حلوا، شهداً. انني قد ذكرت علنا لقولي في عهدنا الثاني، كنا سودانيين اذ العهد الماضي كان ما قبل السودانوية، فلم يعرف الشخص ما معنى او ما هو السودان، بل عند السؤال: من أنت أو من اي مكان، فكان يرد عليك باسم انتمائه القبلي، لا الوطني، لا الحزبي، لا الطبقي. عبر حلقتكم القيمة «سفراء المعاني» بعظم شاعرتنا العظيمة وعظمكم، وعن مداخلتنا عن الهوية، التراث والسودنة، فباقتضاب اقول التالي: الهوية في العام 1002 حينما كنت وزير دولة بديوان الحكم الاتحادي، جاءتني دعوة غير متوقعة من زميل عهدنا الماضي في السبعينيات، كان الدكتور عبد الله علي ابراهيم، جاءتني منه دعوة للمشاركة معه بجامعة النيلين في محاضرته بعنوان «الهوية والتاريخ» لم نلتق طويلاً، كيف تذكرني؟! كانت المحاضرة قيمة وحضرها لفيف من الناس ومنهم كبار اساتذتنا في العلم، بروف يوسف فضل حسن، دكتور عبد الله علي ابراهيم، تحدث عن تاريخ البلاد بحقيقة ان السودان افريقي بحكم ان المملكة النوبية كوش هي اعظم ممالك افريقيا القارة السوداء، ومن ثم جاء العرب الى السودان. ولما عرج الى كتاب عشاري محمود وعلي بلدو «مأساة الضعين»، ذكر ان صيغة المادة جيدة، أي انهما الدكتوران يعرفان اصول الكتابة.. «كلام كويس»، ثم اردف قولاً: ولكن ما كان لهما ان يشرا غسيل العرب في السودان!! التراث الآن، فمن هنا ومن قول هذا المؤرخ، اصبحنا كلنا سودانيين، لكن فنحن عندما نناقش تفسير الهوية، بعندي وعندنا جميعا فنحن سودانيون جنسا فقط ولسنا سودانيين هوية، فالاخيرة شيئاً مختلف التقييم والرؤى، ذلك اننا لسنا اعراق تراث واحد. بعض الناس يسألون عند وقوع ما يرونه نشاذاً او خطأ «ياخي انت ما ود بلد» خليك ود بلد ياخي.. اذا ما هي صفات ابن البلد هذا، الواجبة علينا اتباعها والتعامل بها؟ وما عكس ذلك، ومن اي تراث، اثنية او عرق جاء ذلك وفرض على بقية القوم؟ صحيح حديثك عن التراث واختلاف حياة وتصرفات «ناس» «العهد الجديد».. عننا ويصعب علينا عمارتهم والباسهم ما كوننا به اجدادنا العظماء، عليه فظللنا ننظر، اليهم في دهشة فقط. ولكنني اتفق معكم ايضا او ان تقف معي في رسالة الهوية بمعنى اننا كلنا سودانيين ولكن فعندي ليست الهوية واحدة. ولتسهيل الشرح فبمدئي الافريقي، أقول: «كلنا صوماليون وكلنا مسلمون ولكننا ما زلنا نحارب بعضنا البعض حتى اليوم»!! سلهم لماذا؟ اضافة اليه، عندما كنت عضواً ببرلمان عموم افريقيا بجنوب افريقيا، ففي العام 8002 عملا، زرنا نحن اعضاء لجنة الزراعة والبيئة والتنمية الريفية، زرنا رواندا، وصلنا كيقالي العاصمة مساء وعند الفجر لبدء العمل كان الجدول زيارة المتحف الرئيسي لمقبرة التصفية العرقية، كان المتحف رائع الجمال كالمقبرة المسيحية بمدينة اروشا التنزانية عندما زرتها ابان وجودي في العام 6791م، لدورة «شهادة اتحاد البريد العالمي» احدى اعمالي، المقبرة ملأى ورداً، زهرا، زخرفا، ونحتاً ودعاش جبل كلمنجارو معناه الجبل الثلجي ملأي بياضا»، كان متحف كيقالي رواندا جميلا، وفي رهبة قديسة وقفنا صامتين، كل يقرأ فاتحة دينه وعقيدته رحمة على الراقدين ارضا داخل جوف هذه المستطيلات العشرة امتار طولا واربعة عرضا هي تحمل رفاة حوالي 382 ألف قتيل تصفية من الجنسين مختلفي الاعمار والنوع، مكتملي الاجساد، متفرقيها مجتمعي الاسرة متوزعيها كلهم هناك. «مأساة رواندا، الهوتو والتوتسي» والآن وبعد هيبرمانا 4991م عندما تسأل اياً من الاحياء منهم، عودا الى مأساة التصفية العرقية أأنت «هوتي» هوتو ام توتسي؟ سريع الاجابة دونما التفاتة: انا رواندي، رواندي، رواندي. كرد زميلتي الرواندية البرلمانية اكويرانقا. ختام: ذهبنا بعيداً وحتى لا تجدهونا الخطى سيرا بالبحث فالرابط السياسي فاعل سياسي ايضا، بمعنى ان كان البلد تقوده هوية واحدة، بتفسير ان هناك هويات اخرى ليس لها متكأ سياسي، اقتصادي واجتماعي لحبك قلادة او مسبحة واحدة نرتديها عنقا بالوان زاهية جاذبة، او تقيم بها الليل والنهار تسبيحا للغفران والتقدم والوحدة، فقد فات عنا الاوان وعلينا ان نحاول جهدا، استداركا للمخاطر. شاعرتنا الافريقية الشفيفة، شاعرة سوق «عكاظ»، كانت الحلقة في قامة اعمالك، فلك ولرفيقي السوداني النبيل بروف عثمان جمال الدين وكواكب إعداد ورسم الحلقة، لكم جميعا التحية والتجلة ودمتم خيراً ومدداً حسناً.