أبدى مجلس شورى قبيلة الداجو استعدادا موثوقا به لتجاوز نزاعه في الدعوى الجنائية رقم 1046/2012م ضد مؤلف كتاب سلطنة الفور الاسلامية ، وذلك من خلال اعمال لجنة اجاويد مهنية مدنية اهلية تأسست في هذا السياق منذ يناير الماضي برئاسة ابراهيم يحيى عبدالرحمن، الامين العام لمجلس تطوير اللغات السودانية، وهو المجلس الذي يهتم ايضا بالثقافات التي تعبر عنها تلك اللغات، يضاف الى ذلك ان ابراهيم يحيى نفسه يملك خبرته الواسعة من خلال الدراسة والتأليف، وهو في ذلك يعتبر المؤرخ المعاصر في تاريخ دار مساليت غربي البلاد. تابعت لجنة الاجاويد جذور النزاع، فلم تجد غير ما ورد في كتاب (سلطنة الفور الاسلامية)، في طبعتيه لمؤلفه د. الامين محمود محمد عثمان، وهو كتاب يقع في 366 صفحة من الحجم المتوسط. لقد تناول الفصل الاول من الكتاب وفي سياق تعريف علاقات الفور بالقبائل والكيانات المؤسسة لدارفور، حيث تناول تاريخ العلاقة مع الداجو، بمعلومات بعضها من مصادر شفاهية، وقد عمل المؤلف على تحليلها تحليلا اتفقت اطراف الداجو على التشكيك في صحتها. لعل انشغال الدارفوريين عموما، بمن في ذلك مجالس شورى القبائل، انشغالهم، بالعملية السلمية ومساهمتهم في تحديد مسارات البحث عن وسائل حل الازمة في كلياتها، ذلك ارجأ التركيز على نقد الكتاب برغم اهمية ذلك بالنسبة للداجو، في وقت لاحق انتبه قادة الداجو والممثلون لثقافة القبيلة، انتبهوا الى المعلومات التي وردت في الكتاب عن قبيلة ا لداجو مع التحليل، اثارت شكوك قاعدة واسعة وسط الشباب والطلاب والمهجريين من ابناء القبيلة، واسسوا على تلك الشوك اتهامات بالاساءة لتاريخ القبيلة، فيما رأى العقلاء انه اذا ما تركت تلك الشكوك دون توضيح او معالجة، ربما يصبح ذلك مدخل تهديد اضافي للأمن في غرب البلاد. بعد تواتر الاجتماعات في اوساط الشباب والطلاب والناشطين في المجال الثقافي والمهني المدني، التقت ادارة القبيلة في مجلس الشورى لتطوير رؤية معالجة ، على إثر ذلك قرر الداجو التواصل مع مجلس شورى الفور باعتبارها مظلة تسهيل للتعرف على موقف المؤلف ومراجعته، كما هو الحال في الشئون القبائلية، وعلاقتهما مع الاطراف السودانية الاخرى، في الداخل والخارج. لقد حاول مجلس شورى القبيلة الاقتراب من الفور، ولكن الأخيرين كانوا من ركب المسئولية الشخصية للمؤلف ، لذا توقعوا ان يكونوا جزءاً من الحل، وليس طرفا في ملابسات الاتهام. عندما استبطأ الداجو رد الفور العاجل والايجابي، قررت القبيلة التقاضي لمحاكم الدولة للحفاظ على الحقوق الادبية والمادية للقبيلة، بالفعل تم اتخاذ اجراءات قانونية اولية، وتحول الموقف الى نزاع قانوني بين مجلس شورى الداجو من جهة، ، ومؤلف كتاب (سلطنة الفور الاسلامية )من جهة اخرى، دون تخلي الطرفين عن رغبة الاستجابة لأي مبادرة مهنية لتسوية النزاع وانهائه.. لقد انطلقت لجنة الاجاويد في مبادرتها، من ضرورة التعرف على النوايا من وراء ما ورد من معلومات مختلف حولها في الكتاب، ذلك ان النزاع بين مجلس شورى الداجو ومؤلف الكتاب، انما يُنسب الى قضايا النشر، وهي على تعقيداتها بالوسع معالجاتها في احد محورين: اولهما اذا ما كان النشر بحسن نية، يتم التعريف بمحددات الضرر والعمل على تجاوزه بوسائل متنوعة يتم الاتفاق عليها، بما في ذلك اعادة نشر التصويبات الضرورية بما ينهي النزاع، ثم التعاون على بناء قاعدة تعامل مدنية تحقق الكسب لكل الاطراف. وثانيهما اذا ما كان النشر قد تم بسوء نية او قصد، فان القانون هو من يتولى التعريف بالحقوق المهدرة بالنشر، وتحديد الاضرار، والقضاء بالتعويضات المعنوية والمادية الضرورية. في اتصال لجنة الاجاويد بمؤلف الكتاب، اكد ان مجرد فكرة النيل من عِرْق او اثنية او قبيلة بقصد الاساءة، لم يخطر له على بال و هو يكتب تاريخ الفور، كما انه اقر بمبدأ تصويب ما لا يتطابق مع الواقع، بما يخدم البحث العلمي. بالفعل بدأت اعمال لجنة الاجاويد بعد التأكد من حسن نوايا المؤلف، واخذت تضطلع بمسئولية النظر في قائمة اعتراضات قبيلة الداجو ، كما وردت في اطروحة الاستاذ سعد الله محمد احمد، وهي اليوم امام المحكمة الخاصة للصحافة والمطبوعات في القسم الشمالي بالخرطوم. لقد اكدت لجنة الاجاويد في مداولاتها ان الظروف الاستثنائية التي احاطت بدارفور، جعلت كثيراً من ابناء الاقليم وبناته يجنحون للمساهمة في التعريف بكياناتهم الثقافية والصحفية ، واحيانا دون الاستناد الى تخصص اكاديمي دقيق في مجال النشاط التوثيقي، على ان مؤلف الكتاب المعني قد ابدى رغبته في نقد الكتاب للقراء في الطبعة الثانية بقوله : (كنت آمل ان اتلقى من النقد ما يفيدني على المراجعة العلمية لمادة الكتاب تجديدا وتحسينا....).. لقد وجدت اللجنة ان من النقد الذي يمكن ان يوجه للكتاب قبوله بالروايات الشفاهية في توسع غير ضروري احيانا، على ان ذلك المنهج لم يقتصر على قبيلة دون القبائل الاخرى. من ناحية اخرى وجدت لجنة الاجاويد انه في النزاع القانوني بين مجلس شورى قبيلة الداجو ومؤلف الكتاب، وجدت ان تطلعات الطرفين تتقارب بالحقوق حيث ان ممثلي الداجو تطلعوا الى تصويب الانطباعات التحليلية السالبة عن الداجو، وتأكيد النية الحسنة والعمل على تصويب ونشر تاريخهم السياسي الثقافي في اطار التاريخ السوداني الافريقي الاسلامي. اما مؤلف الكتاب ومن ينتمي اليهم بمهنة الكتابة والعلاقات القرابية، انما يتطلعون الى زيادة الوعي بالتاريخ الثقافي الاجتماعي لقبائل دارفور بما يجعل التواصل والعمل المشترك بين المجموعات الإثنية لدارفور بامتداداتها امرا ممكنا. لقد عملت لجنة الاجاويد بما توفر لديها من خبرة اكاديمية مهنية في محيط التأليف والملكية الفكرية، والقانون والادارة والتواصل الثقافي، عملت على اقتراح خارطة طريق ، اصبحت فيما بعد محل تقدير مبدئي في الطرفين. لقد تلخصت خارطة الطريق في وثيقة مقاربة حقوق بين مؤلف كتاب سلطنة الفور الاسلامية وهيئة شورى قبيلة الداجو في القضايا الخلافية بما في ذلك الاعتذار والتعويض للداجو وفق مبدأ التراضي على تجاوز النزاع بأريحية متأنسنة، ومن الناحية الاخرى ضرورة استمرار الانتاج المعرفي والفكري في مجال التأليف للمؤلف ولغيره ، ومن ناحية ثالثة ضمان التعايش السلمي للاطراف الدارفورية وتحسين انتمائها للسودان المعاصر دستوريا. من ملامح وثيقة مقاربة الحقوق تأكيد الطرفين والتزامهما بالدستور القومي لجمهورية السودان (2005) وباتفاقات السلام بما في ذلك وثيقة الدوحة (2011) ، ثم يأتي الإعراب ان التنوع الثقافي والعربي للشعب السوداني هو اساس التلاحم الوطني، وفي السياق يعمل الجميع شركاء في تعزيزه وتنميته. كما تعتمد الاطراف القبول بالواقع المتنوع لدارفور، والترغيب في كل ما يؤدي الى الاتفاق على احترام الآخر واعلاء شأنه الثقافي والتاريخي والاجتما عي في اطار التنوع، مع التشديد على ادانة وشجب كل ما يؤدي الى العنف من قول او فعل يؤسس على قاعدة التنوع الثقافي ايا كانت الاسباب او اختلافات الرأي او نقص المعلومات. على ان الاطراف تدرك ضعف وقلة المراجع المنشورة في العلاقات الإثنية بين قبائل دارفور وكياناتها المؤسسية، رغم ازلية تلك العلاقات وعمق جذورها، كما تدرك ايضا ان للداجو تاريخاً ثقافياً جديراً بالاحترام والبحث والنشر، وتدرك من ناحية ثالثة ضرورة تعزيز فرص توسيع قاعدة التأليف والنشر للمجموعات الإثنية وسط المواطنين الدارفوريين، بما يحفظ لهم العاطفة المشتركة بالانتماء للاقليم الدارفوري وللوطن السوداني. بعد الوقوف على الحقائق بمراجعات مثمرة، وبنظريات في الفرص الجديدة، سينطوي على الارجح نزاع كان يمكن ان تطول تعقيداته. لقد اخذت الاطراف بمبدأ التراضي على التصويب بمناهج البحث العلمي الرصين، حيث يعمل المؤلف على اضافة اي معلومات موثقة، او ما تثبت صحته علميا بحق الداجو، واضافتها الى طبعات لاحقة. من ناحية اخرى يتم الاتفاق على تأسيس لجنة متابعة مستقلة، للمراجعات والمقاربات وبالاستفادة من التجارب السابقة، تعمل اللجنة على تقديم مبادرات منتجة، على سبيل تأكيد دور التنوع في الحفاظ على الخصوصية والوحدة معا، هذا عدا مقاربات اخرى سترد تفصيلا في الوثيقة وتحتمل المزيد وقتما كان ذلك ضروريا.. يبقى القول، ان الداجو بما قدموا من نموذج رائع ومرن في التفكير الرفيع، والتعاون في تطوير تجربة الحلول للقضايا الشائكة بالوسائل المهنية المدنية الاهلية، انما يقدمون نموذجا تباركه العناية الإلهية، ويباركه اهل الشأن في قضايا الفكر والثقافة والتاريخ، وستبقى استجابتهم لطي النزاع على اسس مهنية سليمة، اساسا راسخا لبناء سودان التنوع والحرية والكرامة والارادة الطليقة في تحديد الخيارات الانفع للناس..