صحبت نعيه صورته وهو يركب عجلة المعاقين التي ألجأته اليها حادثة حركة في نيجيريا بلده كادت تودي بحياته، وكان قد نقل إثر ذلك الحادث من نيجيريا الى الولاياتالمتحدة لتلقي العلاج المعدوم لحالته هناك، وظل بالتالي ماكثاً في أمريكا إلى وفاته. ثم جاءوا له بصورة مع زوجته التي ظل لها عاشقاً وبها هائماً حياته كلها، وعلقوا بشيء من الاعجاب والدهشة على حالته التي تبدو نادرة في أوساط الرجال الذين يتمنى معظمهم «إن سراً أو جهراً» الخلاص من زوجاتهم كما قال المعلق التلفزيوني الذي لم يمنعه جلال الموت من هذا التعليق المرح!! مات شينوا أشيبي عن عمر تجاوز الثانية والثمانين وهو يعد أبا (Things Fall Apart للرواية الإفريقية لأن كتابه الأشهر) «عندما تبعثرت الأشياء» الذي نشره عام1958قد وضعه بسرعة في مقدمة ركب الكتاب الأفارقة، إذ بيعت منه في طبعته الأولى مليونا نسخة، ولولا لهجته الجارحة في الكتاب ضد الرجل الأبيض لكان نال جائزة نوبل للآداب. وحفر بمقدرته الروائية ولغته الساحرة اسم بطل روايته المسمى «أكونكو» في ذاكرة الخالدين العالمية، وترجمت روايته تلك إلى عشرات اللغات الأجنبية غير الانجليزية التي كتب بها الرواية. وروايته الأشهر «عندما تبعثرت الأشياء» هي بكائية من نوع فريد، ففيها قال شينوا أشيبي إن الرجل الأبيض المستعمر لما دخل إفريقيا وضع سكيناً على الحبل الذي كان يمسك الأشياء الإفريقية إلى بعضها، ومن ثمّ تناثرت وتبعثرت، فهو وإن لم ينكر فوائد الاستعمار لكنه قال مع ذلك إنه أشقى الانسان الإفريقي الذي كان على تخلفه سعيداً!! وأتبع روايته الأولى برواية ثانية (No Longer at Ease) مكملة لها باسم «راح زمان الراحة» وجعل حفيد أوكونكو المسمى «أوبي» بطلاً للرواية المكملة، وجعل أوبي الحفيد يتقبل الاستعمار الانجليزي ويدرس في انجلترا ويتخصص في الأدب الانجليزي، لكنه يصطدم كما اصطدم جده أوكونكو بصخرة الرجل الأبيض، إذ يلجئه تناقض حياته مع مألوفات إفريقيا على الرغم من التعليم الانجليزي والوظيفة الكبيرة في بلده، فيعشق بنتاً زاملته في بعثته في لندن ويعدها بزواج مستحيل، إذ أن أسرته عارضت ذلك الزواج لكون تلك البنت تنتمى اجتماعياً إلى فخذ منبوذ من أفخاذ قبيلة الإيبو، وتشتد عليه الضغوط الاقتصادية ويقصر راتبه على كبره عن تلبيتها، فيسقط أوبي في حمأة الرشوة ويذهب الى السجن. وبذلك يرى شينو أشيبي أن الرجل الأبيض لا فائدة من خلافه كما لا فائدة من موافقته، إذ لما خالفه الجد أوكونكو انتحر منهزماً، ولما وافقه الحفيد أوبي انسجن منهزماً!! وعلى نفس المنهج الذهني كتب شينوا أشيبي كتابه الثالث «سهم الله» (Arrow of God)، وفيه تتكسر مقدرات الكاهن الإفريقي الذي كان كالممثل للآلهة في المجتمع الإفريقي أمام عقبة الرجل الأبيض، فيملي الرجل الأبيض على الكاهن شروطه بل ويذله ويحبسه، والمجتمع الإفريقي يتوقع أن تحيق بالرجل الأبيض بائقة تستأصله وهو يسيء معاملة الكاهن فلا يحدث له اي شيء!! ويختم بكتاب «رجل الشعب» (Man of the People) خدمة لفكرته المركزية، ليقول إنه كما لن يجدي مع الرجل الأبيض النطاح ولا الوفاق ولا السحر الإفريقي، فإنه لن يجدي معه كذلك استعمال وسائله لإدارة الحياة، فالديمقراطية التي يدير بها هذا الرجل الأبيض حياته في وطنه لا تصلح بتاتاً لإدارة الحياة في إفريقيا!! هذه هي كتب شينوا أشيبي الأساسية، وهو إلى ذلك شاعر وإعلامي وكاتب مقالة من الطراز الأول، إلى جانب حرفته الأساسية التي هي الطب. شينوا أشيبي أيد انفصال بيافرا عن نيجيريا، فهو وطني إفريقي انفصالي يكثر من السخرية من شمال نيجيريا المسلم، وأيد اسرائيل واعتبرها المساند الأقوى لحركة التمرد التي كان هو قائدها الفكري والعاطفي، وهو مع ذلك مسيحي لكنه مع ذلك يرى أن المسيحية هي دين الرجل الأبيض، وهو يتدين بها مع احترام عميق وقداسة جمة لموروث أهله وأجداده الأقدمين الذي يرى أن الرجل الأبيض قد تطفّل عليه وحاول تمزيقه والبصق عليه، فهو يرى أن الحضارة الغربية وإن كانت نافعة في المجال المادي ولكنها بغيضة ومشقية نزعت بقوتها الغاشمة دثار السعادة الغامر الذي كان يكتسي به الإفريقي البدائي في غابته السعيدة. هل يصح أن يتوج شينوا أشيبي ملكاً على ملوك الرواية الإفريقية ويفضل بذلك على الطيب صالح؟ وأيهما أثقب وأعمق وأجدى.. أوكونكو بطل شينوا أشيبي الأشهر أم مصطفى سعيد بطل الطيب صالح الأشهر؟ لقد كان مصير البطلين واحداً وهو الانتحار، ولقد كان سبب انتحار البطلين واحداً وهو الارتطام بصخرة الحضارة الغربية. ولكن مصطفى سعيد كان أشد نكاية للرجل الأبيض، إذ تعلم عنده وصنع النظريات واشتفى بفحولته من غيظه العميق، وسفك بيديه دم المستعمر متمثلاً في ضحاياه من النساء، ولكنه عاد لينمي قريته على النيل ويتزوج من مواطنته، بينما اكتفى أوكونكو بالانتحار وسيلة وحيدة وسلبية للتنفيس عن غيظه.