ما هو شغفك في هذه الحياة؟ هل أنت شغوف بالعلم، أم المال، أم السلطة؟ أم لديك موهبة في مجال ما، تشغل حيز اهتماماتك؟ لا بُدَّ أن يكون لديك شيء يحرك حماسك، شيء تستمتع بالسعي إليه، وتفكر فيه قبل أن تنام، وتفكر فيه حينما تصحو، ويسعدك أن تعمل فيه حتى في أوقات الفراغ والعطلات. فعندما تتعلق بشيء إلى درجة الشغف، حينها سيصير ذلك الشيء قضيتك الأولى، وستركز كل جهودك ووقتك من أجل تحقيق ذلك الشيء، وستحرم نفسك عما سواه، وستبتعد عن كل ما يحول بينك وبين مبتغاك. انظر إلى جميع المخترعات من حولك، الطائرة والكمبيوتر والموبايل. انظر إلى جميع الاكتشافات العلمية، كيف استطاع أؤلئك العلماء أن يتوصلوا إليها؟ لقد ثابروا وساهروا وانهمكوا في العمل إلى أن توصلوا إلى تلك المخترعات. انظر إلى كبار السياسيين والفنانين ولاعبي كرة القدم، وستجد أن كل واحدٍ منهم قد كان شغوفاً بما وصل إليه من نجاح. فعندما يتعلق الإنسان بشيءٍ ما، سيصير متعطشاً لذلك الشيء، وحينها سيرى كل ما سيقربه من ذلك الشيء، سيرى الأشياء التي لا يستطيع غيره رؤيتها، وحينها سينتهز كل الفرص التي ستحين له، وسيتقرب من الناس الذين سيحققون له شغفه، سيكون مستعداً لدفع الثمن. صديقي عبد الله كان شغوفاً بالسفر إلى النرويج، ومن أجل ذلك كان يقضي يومه في تعلم اللغة الإنجليزية، والسعي بين السفارات الأوروبية، ووكالات السفر، إلى أن عَلِمَ بالطريقة التي ستمكنه من دخول أوروبا، وبعدها وظَّف كل جهوده في جمع تكاليف السفر، سافر سائحاً إلى تركيا ومنها عَبَرَ إلى اليونان، وأقام في معسكرات اللاجئين، وأتيحت له فرصة الزواج من إرترية مما مكنه من دخول النرويج. أمَّا صديقي محمد فقد كان شغوفاً بالسيارات، يحفظ كل ماركاتها وموديلاتها، وأسعارها ومواصفاتها، كان يقضي يومه في الكرين، يشهد صفقات البيع والشراء، والآن أصبح من أكبر تجار السيارات في العاصمة. بإمكاني أن أسرد لك العشرات من قصص أصدقائي الذين حققوا ما كانوا شغوفين به، ولكنني سأكتفي بقصة صديقي أشرف حسن محمد خير، الذي عرفته منذ عدة سنوات فقد كان وقتها يدرس دبلوم اللغة الإنجليزية بجامعة الخرطوم، وكانت أمنيته الأولى أن يعمل بوزارة الخارجية، كان شغوفاً بتلك الوزارة لدرجة أنه يحفظ تأريخ تأسيسها، ويعرف الرجال الذين تعاقبوا عليها، والموظفين الذين طردوا منها، والكتب التي كُتِبَتْ عنها، وما أن يسمع بإصدار كتاب جديد لأحد الدبلوماسيين إلا وجعل اقتناء ذلك الكتاب شغله الشاغل! أقول ذلك عن أشرف لأنه أجبرني على قراءة الكثير من كتبه مثل كتاب (أشتات الذكريات) للسفير خليفة عباس العبيد، وكتاب: (المجذوب والذكريات) للسفير علي أبوسن. كان أشرف موسوعة متحركة عن وزارة الخارجية، مما أتاح له أن يرثي السفير عبد الهادي الصديق في تأبينه في أروقة الوزارة 2001م، وقد ظل الجميع يستمعون إلى فيض المعلومات التي تدفقت من لسان ذلك الفتى اليافع، كان حينها ما يزال طالباً بالمرحلة الثانوية، وبعد ذلك الرثاء، التفَّ حوله الدبلوماسيون والضيوف مهنئين، وحينها أخذ الدكتور جعفر ميرغني بيده وقدمه للدكتور التجاني صالح فضيل وزير الدولة بالخارجية وقال له: الولد ده أمسكوه معاكم! قال لي أشرف إن ذلك اليوم هو اليوم الذي تغيرت فيه حياته. واستطاع أشرف بعدها أن يعقد صداقات مع العديد من رجال السلك الدبلوماسي، وكانت عيناه تتسعان وهو يحدثنا عن لقائه بسفيرنا بالأمم المتحدة عبد المحمود عبدالحليم، وكان وجهه يشرق وهو يفتخر بديوان الشعر الذي أهداه للسفير المرحوم علي عبد الرحمن النميري. وأكثر ما كنت أخشاه على أشرف أن يصاب بالإحباط إن لم يحقق حلمه، فبالرغم من ثقافته الموسوعية إلا أنه لم يكن مؤهلاً للتقديم في وزارة الخارجية التي تشترط الحصول على البكلاريوس للعمل فيها، لكنني لم أكن أعرف عزيمة ذلك الفتى! جلس أشرف لامتحان الشهادة السودانية في العام 2005م، وأحرز أعلى من 86% كانت كفيلة بأن تؤهله لدخول كلية العلوم الإدارية أو الاقتصاد، إلا أنه اختار أن يلتحق بكلية الآداب جامعة الخرطوم، وذلك لأنَّ ثلاثة أرباع أصدقائه بالخارجية من خريجي الآداب، وبعد خمس سنوات تخرج منها ببكلاريوس الشرف في الإعلام. وبعد أن أنهى دراسته الجامعية امتحن أشرف لوظيفة سكرتير ثالث بوزارة الخارجية، وقبل أن تظهر النتيجة سألته: هل أنت واثق من نجاحك؛ ففي عهد لام أكول جلس لامتحان الوزارة عشرة آلاف شخص نجح منهم تسعة أشخاص فقط؟ أجابني أشرف بكل ثقة: أنا واثق من نجاحي لدرجة أنني أرسلت مقاسات بدلة الوظيفة الجديدة لأحد معارفي خارج السودان! وإذا أردتم أن تعرفوا أين أشرف الآن، فبإمكانم أن تزوروه في مكتبه بوزارة الخارجية. فهذه هي قصة صديقي أشرف حسن محمد خير كما عايشتها تماماً، ولا شكَّ أنك تعرف قصصاً كثيرة مثلها، حدثت مع أحد أصدقائك، أو أحد معارفك، فإذا اقتنعت حقاً بصحة هذا القانون فلِمَ لا تُطَبِّقَ هذا القانون في نفسك؟ ولِمَ لا تبحث عن شغفك الحقيقي وتبدأ الآن؟