سفراء يرسبون في امتحان (الانجليزي)...! تقرير: شوقي عبدالعظيم في منتصف أغسطس الماضي، صدر قرار من مكتب وزير الخارجية علي كرتي بضرورة جلوس المبعوثين الدبلوماسيين لامتحان في اللغة الإنجليزية اطلقت عليه الوزارة اختبار قدرات، لم يكن غرض الامتحان تحديد مستوى وقدرات أولئك المبعوثين من وزراء مفوضين ومستشارين وسكرتيرين في اللغة الإنجليزية فقط، إنما لتحديد إن كانت الوزارة ستسمح لهم بالسفر والعمل في سفارات السودان بالخارج أم لا.. إلا أن الامتحان في ما بعد وبالذات بعد ظهور النتائج جر على الوزارة مشاكل عديدة، إلى درجة تلويح البعض بمغادرتها كلياً... خلال محاولة (السوداني) استجلاء الأمر تأكدت حقائق وتكشفت أخرى، تتعلق بهذا الملف وبعضها ذات صلة بملفات أخرى سنوردها بالتفصيل. حكاية الامتحان كل من قابلناهم وطلبنا منهم الحديث عن امتحان اللغة الإنجليزية الأخير، أجمعوا على أنه بدعة غير مسبوقة في وزارة الخارجية وعزوا الربكة التي نجمت عنه داخل الوزارة إلى أن الإعلان عنه كان بطريقة مفاجئة، أحد المصادر المطلعة أشار إلى المشاكل التي اكتنفت القرار والامتحان على حد سواء، فأشار في تصريح ل(السوداني) إلى أن اختبار القدرات الذي فرضته الوزارة لا سند له في لوائحها، كما أن اللجنة التي كلفت بوضع الامتحان -وتتألف من ثلاثة أشخاص - لا تملك المؤهلات الفنية الكافية وليس لها سابق خبرة في وضع امتحان قدرات، والمشكلة الكبرى تتعلق بتكليف اللجنة الذي ينتهي بنهاية الامتحان لتبقى الأمور معلقة وبدون رؤية واضحة، أما الامتحان فقال المصدر (كنا نتوقع أن تضعه جهة فنية متخصصة، جامعة الخرطوم أو معهد سلتي أو المجلس البريطاني وهذا لم يحدث، لذلك لا يصلح لتقييم أحد) سألناه من أين خرجت فكرة الامتحان؟ فأشار إلى أن الحديث عن تدهور مستوى اللغة الإنجليزية بين الكوادر بات يتردد كثيرا في الآونة الأخيرة وأضاف (الوزير كرتي أمام البرلمان اشتكى من ضعف اللغة الإنجليزية وقال إنها مؤثرة على العمل الدبلوماسي)، ويتردد أن مجموعة من النافذين أقنعت الوزير بفكرة الاختبار، وأن يكون الشرط لسفر المبعوثين إلى الخارج. أين المشكلة؟ أول التحفظات التي ترددت وقتها في الوزارة، أن الامتحان تقرر بعد صدور كشف التنقلات للخارج بوقت طويل، بينما أعلن عن التنقلات في شهر أبريل، صدر القرار في أغسطس موعد سفر المبعوثين، حتى أن البعض نجى وسافر قبل الجلوس إليه، الشيء الثاني رغم ما اشتمل عليه من عيوب في التصميم لكون أنه لم يصدر من جهة فنية بحسب الممتحنين، اعتمدت عليه الوزارة في تقييم المبعوثين ومنعت الذين لم يجتازوه من السفر إلا بعد ستة أشهر، وقال مصدر (البعثات في الخارج أصلا تعاني نقص حاد في الكادر والآن تم تعطيل وزراء مفوضين وسكرتيرين بحجة نتيجة الامتحان) مصدر آخر أشار إلى أنهم ليس ضد فكرة الامتحان وتأهيل الدبلوماسيين في اللغات إلا أن الذي جرى مؤخرا تسبب في ظلم عديد من الممتحنين الذين خدم بعضهم في الوزارة لأكثر من عشرين سنة لجهة أن الامتحان كان الغرض منه التقييم وليس التأهيل وقال (هنالك من خدم أكثر من عشرين سنة وفي دول مختلفة هل سيقيّم اليوم)، اختلف البعض في كون أن الامتحان مناسب أم لا بعضهم يرى أنه كان بسيطا ومناسبا بينما يرى آخرون أنه كان عبارة عن امتحان ترجمة وأكدوا أنه كان كالآتي: نص باللغة العربية لم يتجاوز نصف صفحة طلب من الممتحنين ترجمته للإنجليزية ومثلها بالغة الانجليزية تترجم إلى العربية، المشكلة الحقيقية التي تؤرق الذين لم يجتازوا الامتحان مجموعة من الأسئلة لم يجدوا لها إجابات أولها ماذا بعد الستة أشهر؟ هل سيطلق سراحهم ويسافروا إلى حيث ابتعثوا؟ أم سيخضعوا إلى امتحان ثاني بعد تدريسهم اللغة؟ وإن لم ينجح أحدهم في الامتحان الثاني ماهو مصيره؟ هذه الأسئلة أجاب عليها الناطق باسم الخارجية العبيد مروح سنوردها بعد أن نورد نموذج (عمر وكوكو) الذي كثر الحديث عنه في الوزارة. نموذج عمر وكوكو عمر الفاروق والصادق كوكو كلاهما وزير مفوض بالخارجية، بعد إعلان نتائج الاختبار زادت شهرتهما لكثرة ترديد اسميهما كدلالة على وجود خلل في معايير الامتحان، فالأول خدم في الخارجية لأكثر من 18 سنة، وليس ذلك فحسب فعمر ابتعث من قبل إلى سفارة السودان في نيويورك وأمضى فيها أربع سنوات كانت جميع معاملته فيها باللغة الانجليزية فضلا عن أنه عرف بإجادته للغة وأدار مؤتمرات صحفية في أمريكا كان الوزير طرفا فيها، نموذج عمر لا ينتهي عند هذا الحد، فهو بعد إعلان كشف التنقلات ابتعث إلى سفارة السودان بالبرازيل وكما أسلفنا كان إعلان الكشف في أبريل، من ذلك التاريخ اجتهد عمر في ترتيب أوضاعه لأنه سيغادر في غضون شهرين أو ثلاثة على الأكثر وسعى في إجارة منزله وقام ببيع عربته الخاصة وانتقل في أول أغسطس للسكن في منزل أهل زوجته، عمر جلس للامتحان وكان واثقا من اجتيازه له، وبينما هو في وكالة السفر لتأكيد الحجز اتصل عليه واحد من الشؤون الإدارية ليبلغه رسوبه في الامتحان وتجميد سفره ستة أشهر جراء ذلك، أما الصادق كوكو فهو أشهر الذين يجيدون اللغة الانجليزية بحسب من تحدثوا إلينا وإجادته للغة ليست بالصدفة فقد تخرج في ثمانينات القرن الماضي من كلية الآداب جامعة الخرطوم... وورد اسمه ضمن العشرة الأوائل الراسبين، عمر وكوكو لا يشكون رسوبهم في الامتحان بقدر ما يشكون ضبابية الموقف وما ستئول إليه الأمور ومنهم من عاد يرتب أوضاعه، ويعيد أولاده للمدارس ويبحث عن سكن يأويه لستة أشهر وربما أكثر بعد أن تحلل من المنزل الذي يسكنه استعدادا لتنفيذ البعثة. السفر للناجحين فقط الخارجية في إفادتها بدت متمسكة بالامتحان ونتائجه، وأوضح الناطق باسمها العبيد أحمد مروح أن للوزارة الحق في تقييم كوادرها الذين يمثلونها بالخارج وقال في تصريح ل(السوداني): "الكلام عن أن الامتحان بدعة ولا تنص عليه لوائح الخارجية غير دقيق ومن حق الوزارة أن تقييم الكوادر التي تعمل بها"، إلا أنه لم يستحضر على وجه الدقة تاريخ انعقاد مثل هذا الاختبار من قبل كما لم يكن متأكداً من الذين جلسوا إليه مؤخرا قد تعرضوا له خلال سنوات خدمتهم الماضية في الخارجية، كما وصف العبيد الحديث عن أن الامتحان كان مفاجئا بغير الصحيح لكون أن الإعلان عنه كان قبل أسبوعين من انعقاده، ومن الانتقادات التي وجهت للاختبار والتي فندها الناطق الرسمي أن الامتحان لم تضعه جهة فنية متخصصة فقال "لا نحتاج أن يوضع من قبل سلتي أو جامعة الخرطوم لأن كوادر الوزارة الذين وضعوه أعلم بحاجة الوزارة"، وعن مصير الذين رسبوا في الامتحان قال "أولا أنا لا أحبذ أن اسميهم بالراسبين إنما لم يجتازوا حاجز اختبار القدرات"، ومضى قائلا "سيخضع الذين لم يجتازوا حاجز القدرات إلى كورسات مكثفة في اللغة الانجليزية"... سألناه هل سيبقون ستة أشهر قبل أن يسافروا إلى محطاتهم، فقال: "لا، الوزارة لم تحدد فترة زمنية بعينها بعد، وما يتردد اجتهادات ولكن كل من سيجتاز حاجز الاختبار سيسافر"... قلت له: وإن لم يجتاز أحدهم حاجز الامتحان، فأجاب "كل من لم يجتاز حاجز اختبار القدرات لن يسافر ولن يبتعث إلى الخارج"، تطرقنا إلى نموذج عمر وكوكو فكان رأي العبيد أن الأمر تعرض لتضخيم وأن عليهما اجتياز الامتحان والسفر إلى محطاتهم. المساواة في الظلم اشتكى البعض من أن القرار لم يطبق على الجميع بعدالة، لجهة أن عدد من الوزارء المفوضين والمستشارين والسكرتيرين، سافروا إلى محطاتهم دون أن يجلسوا للامتحان، إضافة إلى آخرين رفضوا الجلوس للامتحان ولم يتخذ ضدهم أي إجراء من بينهم وزير مفوض قال "أنا خدمت ما يقارب 30 عاما بالوزارة ولم يتبق أكثر من خمس سنوات وأبلغ سن المعاش ولن أجلس للامتحان أبدا ولتتخذ الوزارة ما تراه مناسبا"... العبيد في تعليقه على الشكوى لم ينف سفر البعض دون أن يجلسوا إلى الامتحان، وأكد أن لقيادة الوزارة الحق في استعجال سفر البعض وتأخير آخرين وهي تقديرات تخصها على حد قوله، أما من رفض الجلوس إلى الامتحان فأوضح أنه لا يعلم إن كان هنالك من رفض الجلوس للامتحان وقال مستدركاً "على كل حال ستحدد الإدارة في الأيام المقبلة طريقة التعامل مع من لم يجلس للامتحان". ليس الامتحان وحده خلال التقصي والبحث في دهاليز الوزارة تكشفت حقائق ومشاكل أخرى خلاف امتحان اللغة الانجليزية، من بينها اللجنة التي كلفت بالنظر في الترقيات والتي فرغت من عملها منذ مارس الماضي ولم يعلن قرارها حتى اليوم، غير أن وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان اعتبره شأنا داخليا، وكشف ل(السوداني) أن اللجنة لم ترفع توصياتها حتى الآن، مشيرا الى أن ترقية الوزراء المفوضين الى سفراء لا يتم إلا بتصديق من رئيس الجمهورية.