تناقلت الصحف السيارة «المصرية والسودانية» والمواقع الإلكترونية في اليومين الماضيين خبر الزيارة المرتقبة للرئيس المصري محمد مرسي للخرطوم يوم غد الخميس، حيث نقلت الصحف تصريحات رحب فيها مكتب رئيس الجمهورية عبر السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية عماد سيد أحمد الذي وصف الزيارة بالتاريخية، وقال إنها تعبر عن مجمل العلاقات بين البلدين الشقيقين مترقبا منها توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين. كما حملت الانباء ايضا خبر اكتمال الترتيبات من قبل رئاسة الجمهورية للزيارة حيث تم وضع جدول الزيارة والذي سيبدأ بلقاء يجمع الرئيس المصري مع البشير بقاعة الصداقة فور وصوله، ومن ثم سيلتقي بالنائب الأول علي عثمان محمد طه يوم الجمعة، على حد ما جاء في الصحف على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أبو بكر الصديق. ورحب المؤتمر الوطني على لسان القطاع السياسي الذي أفرد تقريرا منفصلا في اجتماعه الذي أنعقد قبل يومين بقيادة الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية، الذي أعرب فيه عن أمله أن تمضي الزيارة في اتجاه التأسيس الجيد لانتقال العلاقات الأخوية بين البلدين. وتأتي هذه الزيارة في ظروف بالغة التعقيد حيث إن هناك عددا من القضايا العالقة بين البلدين على رأسها النزاعات الحدودية حول مثلث حلايب و شلاتين بجانب المعابر الحدودية وقضية تقسيم مياه النيل خاصة في ظل الظروف الاقليمية الجديدة التي أفرزها انفصال الجنوب وسد الألفية الذي تعتزم اثيوبيا إقامته في أراضيها، إضافة إلى اتفاق الحريات الأربع وتنفيذه على أرض الواقع، و يمكن أن تضاف إليها تحركات مصر الأخيرة للانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وقد تمثلت تلك التحركات في تصريح وزير العدل المصري المستشار أحمد مكي في أواخر شهر فبراير الماضي والذي قال إن «مصر ستنضم قريبا إلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد التفكير في حلول لأهم العقبات التي تحول دون الانضمام لها» واعتبر أن من أهم العقبات أمام انضمام مصر لاتفاقية المحكمة الدولية «عقبة تسليم الرئيس السوداني عمر البشير، المطلوب مثوله أمام هذه المحكمة، وذلك حال زيارته لمصر». في ظل هذا الوضع المعقد هل يمكن للزيارة أن تحدث اختراقاً في الملفات العالقة؟ باستصحاب الحساسية الفائقة التي تتعامل بها الحكومة السودانية مع موضوع محكمة الجنايات الدولية؟ في تعليقة على الزيارة يقول المحامي والخبير القانوني نبيل أديب ل«الصحافة» عبر الهاتف امس انه من وجهة نظر قانونية لا يوجد تعارض بين زيارة مرسي ومساعي مصر للتوقيع على ميثاق روما الاساسي حيث إن المحكمة الجنائية الدولية لا تلزم الموقعين عليها بمقاطعة الدول غير الموقعة بل تقتضي تسليم الدولة للمطلوبين حال وجدوا في أراضيها موضحا أن المسؤولية أمام المحكمة الجنائية الدولية مسؤولية شخصية تجاه الاشخاص الصادر في حقهم أي إجراء فالاجراء الصادر موجه للبشير شخصيا، أما سياسيا فوصف اديب الزيارة بالاستعجال لتفادي الحرج في حال وقعت مصر على ميثاق روما، ودعا الحزبين الحاكمين في كل من مصر والسودان لحل القضايا العالقة بالتركيز على مشكلة حلايب التي طال أمدها، مشيرا إلى التقارب بين الحزبين من حيث التوجه الفكري الاسلامي، قائلا بأن الحزبين يجب أن يكونا الأقدر على حل المشكلة وأرجع ذلك للتقارب بينهما. من جانبه دعا د. أحمد المفتي مسؤول ملف مياه النيل بالسودان رئاسة الجمهورية لاستصحاب قضية مياه النيل في اللقاء مع الرئيس المصري للوصول إلى رؤية توافقية حول اتفاقية حوض النيل خاصة في ظل التطورات الراهنة في ما يخص القضية من بداية العمل في إنشاء سد الالفية باثيوبيا واتجاه جنوب السودان للالتحاق باتفاقية «عنتيبي» التي وقعت عليها كل من «اثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا» التي تنهي الحصص التاريخة الموقع عليها في اتفاقية مياه النيل عام 1959، مشيرا إلى أن السودان قدم مقترحا بعقد اجتماع فوق العادة لدول حوض النيل لمناقشة الاتفاق إنطلاقا من أن اتفاق عنتيبي ليس في مصلحة دول الحوض، ويوضح المفتي في حديثه ل «الصحافة» عبر الهاتف امس أن مصر دعمت هذا المقترح الذي وافقت علية دول الحوض بالاجماع في إجتماع وزراء مياه دول الحوض الذي انعقد في اثيوبيا في العام 2011م وجدد ذات الاجتماع الذي انعقد في العام الماضي موافقته على عقد الاجتماع فوق العادي إلا أن الظروف السياسية المتوترة التي كانت تمر بمصر حالت دون انعقاده، وشدد المفتي على ضرورة الوصول مع مصر الى رؤية توافقية ليتم تقديمها في الاجتماع غير العادي ليتم التفاوض بين دول حوض النيل على أساسها قبل أن يتعمق الصراع وتتباين وجهات النظر اكثر مما هي عليه. وتري الخبيرة السياسية والباحثة بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية د. أماني الطويل أن الزيارة المرتقبة لمرسي لن تتأثر بمساعي مصر للانضمام للجنائية الدولية، حيث إن البشير يدرك تعامل المجتمع الدولي مع ملف الجنائية ككرت ضغط على الحكومة حال دعت الضرورة، كما استبعدت تأثير مشكلة حلايب على اللقاء المرتقب بين الرئيسين مشيرة إلى أن قضية حلايب لا ترقى إلى مستوى الصراع حسب وجهة نظرها إنما هي خلاف عرضي لا يطرح على مائدة التفاوض بشكل دائم ولا تلجأ له الدولتان إلا في حالة الخلافات الأخرى، وهو في رأي اماني الطويل التي كانت تتحدث ل «الصحافة» عبر الهاتف من القاهرة يمكن أن يحل عبر الحوار المباشر، ورجحت أن يتناول اللقاء التعاون الاقتصادي المشترك والاسناد السياسي والتعاون المشترك بين الأخوان المسلمين والمؤتمر الوطني. بينما رفض القيادي المعارض والبرلماني السابق عبد الله موسى الزيارة من حيث المبدأ، مبررا ذلك في حديثه ل«الصحافة» عبر الهاتف امس بأن الحكومة المصرية تحتل مثلث حلايب منذ عهد مبارك، موضحا أن الحكومة المصرية الحالية بعد أن تغير النظام لم تغير مواقفها وسياساتها للتعامل مع ملف الإحتلال المصري لمثلث حلايب، مضيفا أن حكومة الانقاذ ظلت تقدم التنازل تلو التنازل في قضية السيادة الوطنية، مشيرا إلى تحججها إبان حكومة مبارك، بلجوء مصر لتحريك ملف المحكمة الجنائية إذا طالبت الحكومة بالفصل في قضية حلايب، مضيفا أنها حجة مردودة وقد انتهي زمنها إلا ان الحكومة لم تحرك ساكنا في القضية، خاصة بعد التطورات الكبيرة في قضية حلايب أبان حكم الانقاذ، موضحا أنه منذ العام 1995 تمت المصرنة التامة لمثلث حلايب حيث تم إلغاء الهويات والوثائق السودانية كافة واستبدلت بوثائق وهويات مصرية، إضافة إلى ربط حلايب بشبكتي المياه والكهرباء المصريتين، بجانب ربطها بالطرق مع المدن المصرية وإقامة بوابات والزج بكل المواطنين السودانيين المقيمين بها في السجون، ورفض موسى القبول بتنازل الحكومة عن أي جزء من البلاد، واستنكر ترحيب الحكومة بالزيارة رغم عدم الترحيب الذي قوبل به البشير عند زيارته لمصر، حيث لم يستقبله رئيس الجمهورية كما هو معهود في البروتكولات الدولية واستقبله رئيس الوزراء نيابة عن الرئيس كما لم يعقد مؤتمر صحفي للرئيسين أيضا كما درجت العادة الدبلوماسية، بل ولم يوضع العلم السوداني خلف الرئيس البشير في اللقاء الذي جمع بين الرئيسين، واعتبر ذلك عدم اعتراف من قبل الحكومة المصرية بالسودان، وتساءل ما الذي يجبر السودان على استقبال الرئيس المصري خاصة في ظل غليان الشارع المصري الرافض لسياسة الاخوان التي يمثلها مرسي، مرجحا أن ذلك سيخلق توترا مع الشعب المصري، خاتما بأنه كان ينبغى على الحكومة بدلا من الترحيب أن تضع شروطا لقبول الزيارة لخصها في انسحاب الجيش المصري من مثلث حلايب وإخلائه فورا، ومن ثم القبول باللجوء للتحكيم الدولي للفصل في النزاع، مضيفا أن الرئيس المصري لا يجد ترحيبا من الشعب السوداني.