أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى، وربما كان السيد الرئيس مرسى ينتظر ما جادت به حكومتنا من تنازلات قدمتها بلا مقابل، حيث تلقى الرئيس المصرى تطمينات كافية إبان زيارة الدكتور الكتاتنى رئيس حزب العدالة والتنمية «أخوان مصر» للسودان بشأن الملفات الشائكة حول الحريات الأربع والحدود والمعابر وحلايب.. فهذه الملفات مؤجلة بموافقة حكومتنا؟ ولأجل غير مسمى حيث حدد الاجل ب «ان يلتقط الإخوان فى مصر انفاسهم»، وهو تأجيل غير منظور، اذا لا احد فى ظل الظروف التى تعيشها مصر يستطيع ان يتكهن بتحديد المدي المحدد لالتقاط الانفاس، والحال هكذا اذن ما هى الملفات التى سيبحثها الرئيس مرسى؟ وتأتى زيارة الرئيس المصرى للسودان متأخرة عما كان متوقعاً، فالرئيس المصرى زار أكثر من عشر دول لم يكن السودان من بينها، وهى تجيء متأخرة على الأقل فى نظر الحكومة، حيث كانت الحكومة تتوقع أن يكون السودان وجهة الرئيس الأولى خاصة بعد تغير نظام الحكم ووصول رئيس «أخوانى» لسدة الرئاسة فى مصر، وشهدت العلاقة فترة جمود مزعجة فى بداية تولى الرئيس مرسى الرئاسة، حيث لم توجه الرئاسة المصرية الدعوة للرئيس السودانى لحضور تتويج الرئيس المصرى فى قصر الاتحادية، وهو ما أشر لبداية غير متوقعة لاتجاه العلاقات، اذن ماذا تبقى من اجندة خلافية او عالقة غير مياه النيل؟ وهى ربما السبب فى أن يضاف وصف «أزلية» عند توصيف العلاقات بين البلدين، ورغم هذا الوصف الذى يتجاوز بمعناه الجغرافى والتاريخى صفة «الاشقاء والاصدقاء»، الا أن الرئيس المصرى وبخلاف مشاركاته في المؤتمرات العربية والإسلامية وعدم الانحياز قد قام بزيارات أخرى تعتبر مناطق اهتمامات إستراتيجية بحكم المصالح وخريطة العلاقات التى اختطتها السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس مرسى، ويذهب بعض المحللين الى أن العلاقات تجاوزت مرحلة الجمود الى منطقة الاختلاف وهو ما ظهر بوضوح خلال القمة العربية الاخيرة، حيث تباينت وجهات النظر بين البلدين في ما يتعلق بكثير من الملفات كان أبرزها الموقف مما يجرى فى سوريا وطريقة معالجته، فبينما كان الموقف متقارباً فى مرحلة التمهيد للقمة فى مستوى وزراء الخارجية، بدا الأمر مختلفاً تماماً عندما تلا كل من الرئيسين خطابه أمام القمة، وحسب التصريحات الحكومية إبان زيارة الكتاتنى فإن القضايا المهمة التى تشكل عائقاً لنمو علاقات البلدين نحو منطقة أفضل سيتم إرجاؤها الى حين تلتقط مصر أنفاسها، الا ان اهم الملفات المسكوت عنها هو عدم قيام قاعدة الانذار المبكر المصرية فى الكيلو «7» بإنذار الحكومة السودانية بالغارة الإسرائيلية على مجمع اليرموك، وكانت الصحف المصرية قد نشرت على نطاق واسع ما يفيد بأن القوات المصرية كانت قد رصدت الطائرات الإسرائيلية وهى تعبر الى داخل السودان، وتأتى الزيارة لتكشف لحكومتنا أن العقلية المصرية هى هي لن تتغير سواء أكان الذى يتربع على عرش مصر د. مرسى أو مبارك، ولتؤكد أن المصالح هى فوق كل شيء، بما فى ذلك التوجه «الإسلامى للحكومتين»، والإخوان فى مصر لم ينسوا أن الدكتور الترابى خلع ولايتهم «العالمية» وأعلن استقلاله عن التنظيم الدولى للإخوان» ومركزه ومقره وقيادته العليا فى مصر، الأمر الذى لم تعد فيه حكومة الرئيس البشير النظر بعد المفاصلة وتكوين حزب المؤتمر الوطنى، ربما مهادنةً لنظام الرئيس مبارك الذى كان دائم التلويح بملف محاولة اغتياله بأديس أبابا، وها هم «أخوان» مصر يعاقبون «أخوان» السودان بشقيهم «وطنى وشعبى»، أنها سياسية العصا «من غير جزرة» وضغوط شتى للعودة لبيت الطاعة وولاية المرشد الدولى فى المقطم، يحدث هذا فى الوقت الذى تململت فيه تنظيمات الإخوان المسلمين التابعة للتنظيم الدولى من تواضع أداء الحكومة التى يقودها «الأخوان» فى مصر. ورحم الله الشيخ البرعى فقد مدح مصر قبل حكم «الأخوان» حين أنشد فقال: «يا صاحِ إمَّنا، لزيارة أُمنا، مصر المؤمّنة بأهل الله»