تطورات غير متوقعة صاحبت ختام زيارة مرسي للسودان، فقد انطلقت حملة اعلامية شرسة على الرئيس المصري حتى قبيل هبوط طائرته في مطار الماظة الحربي، وذلك بفعل تصريحات اطلقها مساعد الرئيس موسى محمد أحمد تشير الي تلقيه تأكيدات من مرسي باعادة مثلث حلايب الى السودان. الرئاسة المصرية سارعت وطائرة الرئيس في السماء بنفي صحة كلام موسى محمد أحمد،ولكن ذلك لم يشفع للمعارضة المصرية، فخرج المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق، وقال عبر تغريدة له على «تويتر»: حلايب وشلاتين وأبورماد أرض مصرية، ولا يملك أي حاكم مصري أن يتنازل عن سيادتنا على أرضنا أبدا. واذا فعل فإن الشعب سيلقنه درسًا لا يُنسى. وأضاف: جماعة الإخوان أثبتت أنه ليس لديها أي واعز وطني ومستعدة لأن تفعل أي شىء أو تفرط في الأرض من أجل المال أو من أجل تحقيق حلمها في الإمارة الدينية، مشيرا إلى أنه اذا كان من يحكمون مصر الآن لا يعرفون حقائق الجغرافيا وثوابت التاريخ وخطوط الحدود وشرف الأرض، فإن الامة المصرية تقف لهم بالمرصاد. ورغم انهمار الاتصالات التلفونية على قيادات مؤتمر البجا ومكتب رئيسه ومساعد الرئيس موسى محمد أحمد، من جهات اعلامية وصحف مصرية عديدة، الا ان موسى لم يتزحزح عن موقفه ، وسمح للأمين السياسي للحزب صلاح باركوين بالتأكيد على ان مرسي قد قال ما مفاده انه سيعيد الاوضاع الى ما كانت عليه قبل العام 95. وهو العام الذي شهد الاجتياح المصري الكامل لحلايب، مما يعني ان الرئيس المصري وعد فعلا باعادة الارض السودانية المسلوبة. الخبير الاستراتيجي المصري محمد سويلم يشكك في رواية مساعد الرئيس السوداني، ويقول ان مرسي لا يمكن ان يكون قد وعد بما لا يملك، مشيرا الى ان قضية حلايب غير خاضعة لحلول عنترية وشخصية او حتى حزبية ثنائية، فالرئيس المصري مقيد في مسائل السيادة بمؤسسات الدولة السيادية ، وليس حزب الحرية والعدالة احدها. ورأى سويلم في حديثه الهاتفي ل» الصحافة» ان حديث مرسي قد تم تحريفه سواء دون قصد او عن تعمد، واضاف « وفي كلا الحالتين فقد سارع مرسي بنفيه لانه يعلم مفعوله». لكن مما يعزز من صدقية تصريحات رئيس مؤتمر البجا ومساعد الرئيس موسى، موقف حزب الحرية والعدالة من قضية حلايب، فقد تعرض الحزب لهجوم عنيف من المعارضة المصرية المتربصة لانه ضمن خرائط في مواقعه الالكترونية « تضع حلايب في الجهة الصحيحة من الحدود». واهمية هذه الواقعة تكمن في ان الخريطة الصحيحة لحدود البلدين نشرت من قبل الحزب المصري الحاكم في برنامج زيارة الرئيس مرسي الى السودان. ويمكن الاستناد في دعم فرضية عدم ممانعة مرسي وحزبه على اعادة حلايب للسودان، على موقف جماعة الاخوان نفسها من القضية. فقد اكد المرشد السابق للجماعة مهدي عاكف ، في وقت سابق ، بشكل علني « ليست هنا مشكلة في أن تكون حلايب وشلاتين تحت السيادة السودانية». ولكنه عاد أمس ايضا ليقول امام حشد اعلامي مصري غاضب « لا يمكن ان نقبل بان توتر قريتين العلاقات بين مصر والسودان، ما اهمية ذلك امام ما يجمعنا». مرشد الجماعة السابق صب جام غضبه على الاعلام واعتبره خميرة عكننة حقيقية. ازاء هذا الوضع المحير في موقف الجماعة وحزبها، توضح الصحفية المصرية صباح موسى ل»الصحافة» حقيقة موقف الجماعة من القضية فتقول ان حزب الحرية والعدالة لا يمكن ان يهيج خصومه و»الشعب المصري خارج من ثورة»، مؤكدة ان «الاخوان» من رأيهم تسوية هذه القضية بشكل يحافظ على العلاقات بين البلدين،وانهم يتعاملون مع القضية باعتبارها من الأزمات الموروثة من الرئيس السابق واضافت « ليس الرئيس المصري بهذا الغباء حتى يضر بقضية المنطقة ويحدث توترا في العلاقات بين البلدين». وتشدد صباح على انها تلقت نفيا شخصيا مسجلا من موسى محمد أحمد لتصريحاته السابقة، وتأكيدا قاطعا على انها لم تتضمن اي وعد من مرسي باعادة حلايب. الا ان المشرف السياسي للحزب الاتحادي على البحر الاحمر محمد طاهر جيلاني يقول ان مسألة السيادة على حلايب يجب ان لا تكون مثار مجاملات حزبية او تترك في الانتظار، وطالب بان يتم الاتجاه الى حل القضية وديا او الاتجاه الى التحكيم. واشار القيادي في شرق السودان في حديث ل « الصحافة» أمس بانه ستظل القضية قائمة وحية ولن يلغيها نفي مرسي او تراجع موسى عن كلامه ، واضاف» نحن في الشرق لن نترك القضية لا لموسى ولا لمرسي و النفي واكل الكلام لن يعنينا لان المنطقة سودانية وستكون مشكلة في العلاقات بين البلدين حتى تحل». وابدى محمد طاهر جيلاني اندهاشه من الهيجان الاعلامي المصري على مجرد التطرق للحق السوداني في المنطقة، وقال « نحن واضحين ومع وحدة السودان لكن القضية تهمنا نحن ابناء الشرق، مهما هاجت القاهرة ومهما نفي مرسي ومهما سكتت الخرطوم». لكن التفاعلات على الساحة المصرية بشأن تصريحات موسى محمد أحمد ذهبت الى اعمق مما يتخيل، اذ خرج مصدر عسكري مسئول في الجيش المصري ليشدد « أن القوات المسلحة لم ولن تقبل أن تكون حلايب وشلاتين سوى أرض مصرية خالصة وأن أرض مصر وسيادتها ليست مجالاً للتفاوض مع أي دولة أخرى. وأشار المصدر إلى أن هناك حالة استياء داخل القوات المسلحة من محاولة الإخوان المسلمين إثارة أقاويل خاصة بعد زيارة الرئيس محمد مرسي للسودان للترويج بإمكانية ضم مثلث حلايب وشلاتين للسودان كبلونة اختبار لقياس رد الفعل الداخلي في مصر وإمكانية فعل ذلك في حالة مرور الموضوع مرور الكرام. ولم ينته الامر عند هذا الحد فقد كشف المصدر العسكري لاول مرة عن موقف الجيش المصري من أزمة حلايب، وذلك بتأكيده على ان « إن القوات المسلحة تعرف جيدًا قيمة مثلث حلايب وشلاتين على الأمن القومي المصري ولذلك فالجيش حريص على التواجد هناك بشكل كبير في الوقت الذي تغيب فيه معظم مؤسسات الدولة الأخرى». موقف الجيش المصري هذا ينقل التطورات بين الخرطوموالقاهرة ما بعد ختام الزيارة من أزمة تصريحات مشكوك في صحتها الى حسم مبكر لموقف الدولة المصرية من مسألة الاحتلال المصري لحلايب. المستشار الاعلامي لحزب الوفد المصري معتز صلاح الدين يرى ان هنالك اوساطا استغلت أزمة التصريحات في خلق مشكلة حول قضية حلايب لاستخدامها في الصراع السياسي الداخلي، ويلفت معتز صلاح الدين الى ان البعض في القاهرة يعمل على عرقلة التعاون بين البلدين، وخلق الأزمات بين القوى السياسية المختلفة اصلا بغرض « تحقيق مزيد من التباعد بين المصريين في هذه الظروف». مستشار الوفد الاعلامي قال هاتفيا ل» الصحافة» ان جر المؤسسات المصرية جزء من هذه السياسة.