سبق السودان ما يسمى بالربيع العربي في 21 اكتوبر 1964 و 6 أبريل 1985م بقيام انتفاضة شعبية واجهت نظامين عسكريين قمعيين ، في وقفة أذهلت العالم كله ، وأصبحت تاريخاً يحكى عن عظمة الشعب السوداني وعبقريته . ولقد ظلت ذكرى اكتوبر باقية في نفوس الجيل الذي عاصرها ، وكان البعض يهتف عائد عائد يا اكتوبر ? ولكن التاريخ لا يعيد نفسه ، لأن هناك دائماً متغيرات بين تجربة وأخرى . ولهذا لم تكن الانتفاضة مطابقة تماماً لاكتوبر 1964م اذ اختلف النظامان ? فنظام عبود لم يكن مطابقاً لنظام نميري ? ولهذا تبقى القراءة الصحيحة لتاريخ الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية مطلوبة حتى لا تتكرر أخطاء الماضي .. والمطلوب الآن أن يعكف المؤرخون ، والذين شاركوا في صنع الأحداث في تدوين الوقائع كما حدثت حتى لا نغرق من جديد في دوامة من المغالطات كما حدث في تاريخ السودان منذ الفونج والتركية السابقة والثورة المهدية ، ومرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار في القرن العشرين . ولهذا نحتاج أن تقوم مراكز الدراسات السودانية وأقسام التاريخ في جامعاتنا بهذا الدور التاريخي ، والا تنحصر قراءتنا لها في الأحداث والوقائع السياسية ، بل يمتد ذلك الى التغييرات العميقة التي حدثت في بنية المجتمع السوداني بعد اكتوبر ، حيث ازدهرت وتمددت الأحزاب العقائدية ، الأخوان المسلمون ، والشيوعيون ، والجمهوريون والقوميون ... مع ظواهر أخرى منها الاقرار بحرية المرأة ونيلها لحقوقها كاملة « كان ذلك ثمرة من ثمار اكتوبر « وكذلك الاعتراف بحقوق الجنوبيين والحوار معهم في مؤتمر المائدة المستديرة « 1965م « . وهناك ظواهر أخرى سبق أن ناقشناها في مقالات سابقة عن تأثيرات اكتوبر على حركة الثقافة السودانية التي تعودت أن تزدهر في ظل الحريات .