: إن أسعدك الحظ وزرت مدينة حلفاالجديدة، وكنت أكثر حظاً إن كان مضيفك ممن يعرفون أقدار الرجال ويقفون عند الظواهر التي توصل السماء بالأرض وتعلى من قيمة الإيمان، إن كان مضيفك هكذا فحتماً سيأخذك في زيارة قصيرة إلي ضريح الشيخ إبراهيم بن السيد عبد الله المحجوب الكائن بالقرب من قشلاق الشرطة، ستقف أمام الضريح مشدوهاً ومضيفك يسرد لك حكاية هذا الشيخ وسيرته العطرة، وكيف أنه توفى بمدينة وادي حلفا وهو في طريقة لمصر وكان في ريعان شبابه، وأقبر بحلفا قبل ثمانية وخمسين عاماً من تهجير النوبيين، وينتمي لأسرة المراغنة المعروفة، حيث أن جده هو السيد/ محمد عثمان الميرغني مؤسس الطريقة الختمية، ومن خلال السيرة سيسرد لك مضيفك إصرار الأهالي بوادي حلفا آنذاك على ترحيل مقبرة هذا الشيخ إلي حلفاالجديدة، وربط ذلك برفض أو قبول التهجير برمته، وكان من رأي السيد/ على الميرغني رحمه الله أن يتم ترحيل الجثمان إلى الخرطوم بحري حيث مكان الأسرة، إلا انه استجاب لرغبة الأهالي وأوفد مجموعة من الخلفاء وعلى رأسهم الخليفة المرحوم / عثمان مختار خليفة الختمية بحلفاالجديدة، وكيف كانت المفاجأة التي جعلت السيد/ حسن دفع الله معتمد تهجير أهالي حلفا يهلل ويكبر، فقد وجد الجثمان بكامل أعضائه كأنه أقبر قبل نص ساعة، وبالطبع سوف تتأمل الموقف ويأخذك الشرود في هذه اللحظة الإيمانية العالية، وكيف أن الله سبحانه وتعالى يكرم الصالحين والصادقين من عباده حتى وهم في قبورهم بعد مغادرة هذه الفانية، وسوف يأخذك التفكير أيضاً إلى أن مثل هذا المشهد وأمثاله هو الذي يشكل درجة التدين عند السودانيين، ولا غرو في أن من يطالع مقالنا اليوم من قراء هذه الزاوية سوف يذكر في دواخله مشهداً مشابهاً أو حتى قصة رويت له هنا وهناك، وهذه المشاهد هي التي تشكل وجدان السودانيين الديني والمثال الصادق الذي يبحثون عنه، فالعبرة في القدوة والسلوك القويم وليس في «الزعيق». ولو كان مضيفك من الذين يعرفون قيمة التوثيق فسوف يهديك سفراً أغلى من الذهب هو كتاب «هجرة النوبيين» لحسن دفع الله الذي نشر في لندن في عام 1975م، وتمت ترجمته إلي العربية أخيراً، فلا غنى لكل المعنيين بقضايا النوبيين من اقتناء هذا السفر التوثيقي الرائع الذي أرخ لمرحلة مهمة من تاريخ السودان. رحم الله سيدي إبراهيم بقدر حبه للدين، ورحم الله شيوخنا في السودان الذين تشرق الشمس بفيضهم.