بعد أربعة عشرة سنة قضاها الطالب بهجت الأباصيري في مرحلة واحدة من المراحل الدراسية، كان طبيعياً منه وهو في هذه السن أن يستنكر أمر أستاذته له بالوقوف، فقال على لسان الكوميديان عادل إمام في مسرحية مدرسة المشاغبين ساخراً من هذه الأستاذة الغشيمة «بعد أربعطاشر سنة خدمة في الثانوي بتقولي أوقف، دا التعليم باظ يا جدعان، فين تعليم زمان ومدارس زمان، فين أيام رفاعة رافع الطهطاوي، يا سلام الله يرحمك يا طهطاوي، وقاسم أمين وعلي مبارك وزكي جمعة، مين زكي جمعة دا»... يبدو أننا الآن في السودان وبعد بروز إتجاه قوي لزيادة سنوات مرحلة الأساس لتصبح تسع سنوات بإعادة السنة السليبة التي أسقطت بليل عن سنوات التعليم العام فتقلصت من 21 سنة إلى 11 سنة، وبعد بلوغ طالب مرحلة الأساس سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة بعد هذه الزيادة، يبدو أننا موعودون بصرخة من أحد طلابنا هؤلاء في وجه أحد أساتذته إذا أمره بشيء أو طالبه بتسميع قصيدة أو سورة من القرآن الكريم، فيصرخ فيه على غرار ما تفوّه به بهجت الأباصيري في مدرسة المشاغبين فيقول «بعد تسع سنوات خبرة في الأساس بيقولي، سمِّع، دا التعليم باظ يا ناس، وين مدارس زمان وتعليم زمان، حليل أيام رفاعة رافع الطهطاوي»، «الطهطاوي هو من أفتتحت على يديه أول مدرسة نظامية في السودان حوالي عام 1855م»، وحليل أيام بابكر بدري وعبد الرحمن علي طه والشيخ لطفي والنصري حمزة وعبد الله الطيب وسر الختم الخليفة والتجاني حسب الله ومدني محمد عبد القادر وأبوّ منصور وأبو بكر سرور و... وناس قريعتي راحت، مين ناس قريعتي راحت ديل... وناس قريعتي راحت هم من يتخلفون عن الركب القاصد لأمر عظيم للبحث عن شيء تافه، وتقول حكايتهم الشعبية إن رهطاً من القوم كانوا في مشوار لأمرٍ جلل، وكانوا يستخدمون القرع لأغراض متعددة منها الشرب والأكل وكذلك الوضوء، وفي منتصف المسافة أناخت القافلة رحلها لأخذ قسط من الراحة، وبعد فترة استجمام استجمعوا فيها قواهم واصلوا المسير، وبعد مدة ليست قصيرة انتبهوا لغياب واحدٍ منهم، فأنابوا عنهم من يبحثون عنه، وبعد جهد وبحث في كل الإتجاهات وجدوه أخيراً في المكان الذي كانوا قد استراحوا فيه، فسألوه بانزعاج ما بك وما الذي أخرّك؟، قال «قريعتي راحت وتأخرت للبحث عنها» فجرت حكايته مثلاً... واليوم وبعد أن وجد البعض السنة الدراسية التي أضاعوها بعد بحثٍ مضنٍ، يريدون أن «يلفقوها» مع مرحلة الأساس لتصبح تسع سنوات طويلة على رأي لعيبة البوكر، وطالما حذر كثير من الخبراء التربويين والمخضرمين من المعلمين من مغبة هذه الزيادة وما يترتب عليها من خطورة وتأثيرات سالبة عديدة أكاديمية وتربوية، وأخرى نفسية واجتماعية مما يمكن أن يستفيض فيه اختصاصيو علم النفس والاجتماع عند اجتماع تلميذ صغير يتراوح سنه ما بين الخامسة والسادسة وصبي مراهق يفوقه بعشر سنوات على الأقل، وأقل ما يمكن أن يفرزه مثل هذا الاجتماع هو ما عنته تلك الطرفة التي تقول : «اشتكى بعض التلاميذ الصغار زميلهم الكبير الذي ركلهم حتى طرحهم أرضاً، وعندما سأله الأستاذ لماذا فعلت بهم ذلك؟، قال أبداً فقط كنت أعلمهم درساً في الحساب، قال الأستاذ مستغرباً وكيف ذلك؟، قال جمعتهم ثم ضربتهم ثم طرحتهم»...