فين أيام رفاعة رافع الطهطاوي الذي أفتتحت على يديه أول مدرسة نظامية في السودان حوالي عام 5581م، وفين أيام بابكر بدري رائد التعليم الأهلي والنسوي، وفين أيام عبد الرحمن علي طه أول وزير للمعارف، وفين أيام الشيخ لطفي والنصري حمزة والبروف عبد الله الطيب وسر الختم الخليفة وغيرهم وغيرهم، من الرواد الذين درس على يديهم الكثير من الزعماء والأدباء والقادة من دول الجوار العربي والأفريقي جاءوا الى السودان لنهل العلم من السعودية واليمن والصومال وجيبوتي ونيجيريا وغيرها من أمثال الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وأخوه الملك عبد الله رحمهما الله، وفين أيام شيخ التجاني حسب الله وشيخ مدني محمد عبد القادر، بل وفين أيام اللاحقين من التربويين والمعلمين الفطاحلة الذين واصلوا حمل مشاعل التعليم بكل كفاءة وإقتدار قبل أن تبدأ المسيرة في الإنحدار إلى أن أهلَّ علينا زمان صار فيه التعليم يؤتي من قبل من يفترض أنهم الحريصون عليه المتطلعين لترقيته وتطويره كما سنرى في المثال الذي سنتطرق إليه... أما وقد إنعقد وانفض قبل أيام مؤتمر التعليم، ودار وما زال يدور حديث كثير حول ضرورة إصلاح حال التعليم الذي لا يسر عدو ولا صديق، فقد حقّ للناس أن يهموا لأمر التعليم وأن يهتموا به فهو لب الأمل وقضية القضايا وطوق النجاة الذي سيعبر بنا واقع التدهور والإنحطاط والإنهيار والفوضى إذا ما أخذناه بحقه وأوليناه الاهتمام الذي يستحقه، أو أن ننتظر الخراب والطوفان الذي لا يبقى أمة ولا يذر بلد، فاذا أصيب القوم في تعليمهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا، ولا نريد هنا أن نعيد تعريف المعروف ولا أن نكرر النداءات الحادبة المتكررة التي صرخت حتى بح صوتها وكتبت حتى جفت أقلامها عن مآسي التعليم ومشاكله والوضع البائس الذي عليه، فقد كتب الكاتبون وتحدث المتحدثون وناح النائحون على حال التعليم فأوفوا وكفوا ولم يتركوا زيادة لمستزيد ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي... بعد كل الذي قيل حول التعليم وما زال يترى لم يعد هناك جديد يضاف من جانبنا، غير أن كلمةً حزت في نفسنا كثيراً ألقاها وزير التعليم العالي وكأنه لم يلقي لها بالاً هي ما يجعلنا الآن نصرخ بالصوت العالي «التعليم باظ يا جدعان» على قول عادل إمام وليس على مقصده الذي أطلق بسببه هذه المقولة التي جرت مثلاً، فمن دلالة «بوظان التعليم» لدرجة مزعجة ومخيفة أن يقول وزير التعليم العالي السيد خميس كندة على الملأ بملء الفم ودون أن يطرف له جفن «نرفض التوسع في اللغة الانجليزية ومن أرادها فليذهب للمعاهد» أو كما قال «البروفيسور» وضع تحت «بروفيسور» هذه ما شئت من خطوط وأمامها ما تريد من علامات تعجب، ولأزيدك عجباً فهو «البروف» ذاته الذي سبق أن دعا لحظر الاختلاط بين الطلاب في أماكن الدراسة وكافة سوح مؤسسات التعليم، من أين جاء هذا «البروف» يا ترى، أو بالأحرى من أين جيء به، وفي أي عصر يعيش، وهل بمثله ينصلح حال التعليم أم يزداد سوءاً على سوء، الا يدري حالة الضعف التي إعترت التعليم من الفه إلى يائه وليس الانجليزية وحدها حتى يتحدث عن رفضه لها، الا يدري حالة الفقر والعوز التي تكابدها مؤسسات التعليم لتسيير يوم دراسي واحد فلا يخجل من أن يدعو لإنشاء حواجز للفصل بين البنين والبنات، أم أنه يريد أن يكون ملكياً أكثر من الملك وإنقاذياً أكثر من عمر البشير وإسلامياً أكثر من ابراهيم أحمد عمر وكل الإنقاذيين والإسلاميين الذين لم يسبقه منهم أحد في الذي قاله... اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه...