المصالح الشخصية والأسرية ومطامع الأفراد أمور لازمت الأمة الاسلامية منذ عهد الصحابة عليهم الرضوان، وهذه آفة العمل في حقل الدعوة لله، فعندما استشهد سيدنا عثمان رضى الله عنه نشأت الفتنة الكبرى وبرزت مطامع بني أمية وامامهم في ذلك معاوية بن أبي سفيان، فهم تجار وأهل كسب دنيوي منذ الجاهلية، وتمايزت الصفوف بين أهل الدنيا وأهل الآخرة وامامهم الإمام علي كرم الله وجهه، وبين هذا وذاك دارت معارك ضارية وفتن إلى ان صارت أمور الدولة تحت يد بني أمية، وأسس الصحابي معاوية أولى حكومة أسرية في دولة الاسلام أركانها المصالح الشخصية وخراب الذمم، إلى أن تولى ابنه يزيد أمور المسلمين، وعندها تصدى شهيد كربلاء الحسين عليه رضوان الله لهذا الظلم، وصار استشاهده علامة بارزة إلى يوم الدين ضد الطغيان والانحراف عن نهج الإسلام القويم. كل ذلك يقودنا إلى تناول موضوع أرى انه مهم في هذا الظرف الاستثنائي في مسار الطريقة الختمية. والآن تتعرض الطريقة في نهجها الدعوي إلى خلط مريب، إذ تحول إمامها إلى قائد سياسي، وتولى رئاسة حزب وسط أحوال سياسية جعلت السودان موضوع تتناوله الأمم ويحكمه نظام شمولي تحت بصيرة حركة إسلامية لا تؤمن برأي آخر لأحد، وقد تأكد ذلك لإمام السجادة الختمية رئيس الحزب، لكن البعض ماضون صوب المصالح الشخصية، وأصبحت الطريق الختمية وهي طريقة رائدة في التصوف في حالة جمود وخواء، وأضحت الطريقة المفترى عليها بين صدق التصوف ومصالح البعض معبراً ووسيلة للتقرب من الحاكم، وجماهير الختمية مستسلمة وهي تعلم ان هذه الطريقة في بدء نشوئها بالسودان كانت من أفضال الله على هذه الأمة، إذ هيأ لها الله رجلاً من آل البيت هو الإمام الختم عليه الرضوان، فقدم إلى السودان ابان السلطنة الزرقاء، وجادل العلماء، واقترن بسيدة فضلى، وأنجب الامام الحسن أبو جلابية، وهو المؤسس للطريقة، وجاب السودان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً في ظروف قاسية للغاية، وخلف السادة محمد عثمان الأقرب وهو والد سيادة مولانا السيد علي عليهم رضوان الله، والأخير هو العالم النحرير الذي بنى الطريقة على أسس حديثة، وقد أنشأ لها الزوايا في جميع مدن السودان برعاية تامة، وأنشأ شباب الختمية، لذلك استطاع أن يكون له دور رائد في الحركة الوطنية بدون أن تتأثر الطريقة في نهجها الدعوي، إذ لها وجود دعوي في أعماق منطقة النيل الأزرق وجنوبها، وكذلك في جبال النوبة منافحاً للتنصير منذ بداية القرن العشرين، وكل ذلك لم يجعل لدى الإمام السيد علي اهتمام بالسياسة بالقدر الذي يصرفه عن الدعوة لله، لكن إذا كان أمر الطريقة يترك لرجل من تجار الحزب ليكون هو ضابط الاتصال بين (الشيخ) والحكام، فإن عملاً صالحاً قام به رجال معرفة وتقوى وصلاح لن يكون لهذا المتختمن، إلا أن الكل يعلم عظمة خلفاء السيد علي الذين شاركوا في بناء الطريقة وشاركوا في دفع الحركة الوطنية وذهبوا من الدنيا على أحسن الحال، ونخص بالذكر منهم الخليفة حمد كمبال والخليفة تاج السر علي الشيخ والخليفة حاج ميرغني والخليفة عمر جاويش والخليفة محمد الحاج عوض وآخرين، وأستاذي العالم شيخ محمد الجزولي عليهم الرحمة. وكل ذلك يدعونا بحق الدعوة لله، إلى ان يعلم ذلك البعض ان عملهم وسعيهم إلى خراب، وسوف تعود الطريقة الختمية المفترى عليها إلى ما كانت عليه رائدة ساعية في أدغال الجنوب والعالم كما تفعل الطرق الصوفية اليوم بأن يعتقد ان مهام الطريقة هي تقبيل الأيادي للشيخ، فذلك وهم وجهل. ان التصوف هو طريق التوحيد الذي يحقق الخير للناس ومحاربة الظلم لدى الحكام، وليس الاستسلام لهم لنيل المال وتحقيق المصالح الشخصية. إلا انه قد يقول قائل من جوقة المنافقين مال هذا الرجل بالطريقة الختمية وهو ليس منها، ونرد على هذا الجهول بأن الطريقة الختمية ليست بنكاً ولا شركة خاصة للبعض، بل عقد الطرق الصوفية عقد واحد. ونحن القوم والقوم أكبر من الحكام، وصدق من قال «بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى» صدق الله العظيم.