من هو المستفيد الأكبر مما يحدث في دارفور هذه الأيام؟! فهنالك مخطط خطير لشغل أهل دارفور عن قضيتهم الأساسية بقضية أخرى، وهي ما يسمى بسوق المواسير! لقد أثبت المؤتمر الوطني استهتاره بأهلنا في دارفور وهو يمارس عليهم كل هذا العبث السياسي باختراعه لذلك السوق العجيب، ليخدم به مصالحه في ذلك الإقليم المشتعل الذي طحنت الحروب أهله طحناً، ثم يأتي المؤتمر الوطني بعد كل ذلك ليخترع لهم ما يفسد به ما تبقى من حياتهم البائسة.. ونحن لا نتهم المؤتمر الوطني جزافاً بهذه التهمة الخطيرة، فهنالك أدلة واضحة لكل ذي عقل تثبت أن المؤتمر الوطني متورط في هذه العملية القبيحة التي أصبحت خارج نطاق سيطرة منفذيها، وسببت لهم ولأهل دارفور إحراجاً وجرحاً عميقاً لا يمكن تناسيه أبداً، فما هو الغرض من وراء اختراع مثل ذلك السوق العجيب في دارفور دون غيرها من مناطق البلاد..؟! الغرض هو إغراء المسلحين بالعودة إلى المدينة التي تتضاعف فيها الأموال بطريقة خيالية، ومن ثم تصبح قصص الثراء المفاجئ هي الحديث الشاغل الذي يدور في أروقة الإقليم، وينسى الناس المطالبة بحقهم في الثروة والمشاركة بالسلطة والانتخابات! يا للغباء! فالنظرية فاشلة منذ بدايتها، لأن تلك المتوالية الهلامية لا بد أن تكون لها نهاية في المستقبل لتولد أزمة ثانية تصبح عبئاً ثقيلاً على المؤتمر الوطني الملئ بالأعباء والمتورط في كل تلك المأساة التي حدثت في دارفور. وكان لا بدّ لتلك الأموال التي توزّع على الطفيليين من تجار الإقليم أن تنفد وتحدث الكارثة. إن دارفور الآن تشهد أزمة مالية مريعة، وستظهر نتائجها قريباً، فمن يا ترى المسؤول عن تلك الجريمة النكراء؟! إن تلك الخطة الفاشلة لم تسبب انهياراً في سوق المواسير فحسب، بل كانت كارثة على الاقتصاد في كل ذلك الإقليم الفقير! لقد انهار سوق المواشي وسوق المحاصيل وسوق العقارات، وارتفعت الأسعار، وانعدمت السلع الاستهلاكية وانتشرت الفوضى، وذلك لأن أصحاب هذه الأرصدة المجمدة في السوق هم تجار المدينة وشبابها، وقد أصابهم الإفلاس والإحباط جراء هذا السفه السياسي الغريب، فمن يا ترى ذلك المجنون الذي يخطط للمؤتمر الوطني لينتج لنا مثل تلك المسرحية السخيفة التي انتهت بنهاية مأساوية وفضيحة مخجلة لكل من شارك فيها، ممن يسمون بأصحاب ذلك السوق، وحكومة الولاية التي منحتهم التصاديق اللازمة، وحكومة المركز التي يديرها المؤتمر الوطني لصمتها عن هذا العبث لمدة عام كامل اغتنى فيه الطفيليون والعاطلون. إن ما حدث في دارفور ليس مجرد عملية احتيال جماعية، لتنتهي بهذه البساطة في أضابير المحاكم! فلو كان أصحاب هذا السوق مجرد مجرمين وحرامية لتمكنوا من الهرب قبل أن تعتقلهم سلطات الولاية. أما أولئك الذين يفترض أنهم ضحايا لهذا السوق فليسوا كذلك، وأنا لست متعاطفاً معهم أبداً! بل أتعجب لهم وهم يملأون الدنيا ضجيجاً وعويلاً لأنهم خسروا أموالهم في ذلك الربا الواضح وضوح الشمس في كبد السماء! فكيف لهم أن ينقادوا وراء أطماع الثراء الحرام، وهم أهل القرآن الذين لا يعرف الطمع طريقاً إلى نفوسهم النقية! وأنا لا أشمت فيهم بقدر ما أنني أتحسر على ما ضاع من قيم أهل دارفور بسبب هذه السياسات الشيطانية.. فقد ضاعت القيم فلماذا تبكون على الأموال! لماذا تسودون الصحف وتكونون جماعة ناطقة باسمكم لتسترد أموالكم؟! أما كان أحرى لكم لو أنكم لم تتورطوا في هذه الفضيحة المخجلة والمقرفة.. نحن لا نكتب من أجل أموالكم التي نضمن تماماً أنها ستعود إليكم! ونضمن ذلك لأننا نعلم علم اليقين أن العفن قد طفح، وأن المؤتمر الوطني لن يستطيع خداعكم ومماطلتكم أكثر مما حدث، وذلك لخوفه من فرقعة السلاح، التي بدأت بوادرها تلوح في سماء دارفور التي مازالت ملبدة بغيوم الحرب اللعينة.. ستعود لكم أموالكم في أقرب مما تتوقعون لتصبح عناوين الصحف: الحكومة تعوض متضرري سوق المواسير! وترتاح النفوس ويطوى ملف تلك الجريمة النكراء! فإذا رضيتم أنتم بالتعويض فمن الذي سيعوض أهل دارفور الذين لم يشاركوا في هذه المهزلة؟! من الذي سيعوضهم عما لحق بهم من ضرر معنوي، وقد أصابتهم سهام العار والخزي بعد أن أصبحوا حديثاً تلوكه الألسن والصحف! من الذي سيعوض الفقراء الذين تضرروا من انهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار؟! وكيف للحكومة أن تعوض أولئك الذين ماتوا من هول الصدمة جراء ارتداد شيكات ذلك السوق، والذين فقدوا عقولهم وأصبحوا يهيمون على وجوههم في طرقات المدينة؟! بل من أين سيدفع المؤتمر الوطني ثمن غلطته الفادحة؟! هل سيدفعها من أموال ورثها عن آبائه الأولين؟! ومن أين جاء أصلاً بأموال ذلك السوق الذي كسب الطفيليون من عملياته الربوية مليارات الجنيهات؟! فهل هذه الأموال هي نصيب أهل دارفور من التعويضات التي دفعتها بعض الدول المانحة؟! أم يا ترى هي من عائدات النفط التي تبعثرها الحكومة أنى اتفق لها؟! هذه حادثة لا أجد لها مثيلاً في أي مكان في العالم.. وتلك هي النتيجة الطبيعية للاستخفاف بالعقول، ولا بد لكل من شارك في هذا السخف أن يتحمل نتيجة غلطته الشنيعة! وعلى والي الولاية ألا يستخف بعقولنا أكثر مما فعل، فهو وأعضاء حكومته السابقة متورطون حتى النخاع في تلك الجريمة، فهو الذي منح التصديق لذلك السوق، وهو الذي شجع الناس على المغامرة بأموالهم! لذلك عليه أن يستقيل قبل أن يُقال. أما أصحاب ذلك السوق فهم مجموعة من أعضاء المؤتمر الوطني بالولاية، وقد استغلوا الكارثة في الترويج لانتخاباتهم! ويجب أن يقدموا لمحاكمة عادلة تقتص منهم ليصبحوا عبرة لكل من يستخف بالناس. وعلى حكومة المركز ممثلة في وزارة العدل والداخلية ألا تتهرب من مسؤوليتها القانونية والأمنية تجاه ما حدث.. فهل يُعقل أن تكون حكومة المركز لا تعلم بما يحدث في تلك المنطقة الاستراتيجية من البلاد؟! فإن كانت تعلم فكيف لها أن تصمت عاماً كاملاً على كل ما حدث؟! وإن لم تكن تعلم فما جدوى وجودها من أصله؟! وتأبى هذه الجريمة إلا أن تلتف حول عنق المؤتمر الوطني الذي لم يتحرك خطوة، ولم يبدِ استياءً من واليه المتورط في تلك الفضيحة، بل إنه بارك له كل هذا الهزل العقيم ليرشحه لولاية ثانية يمارس فيها شتى صنوف العبث المرير، ثم يأتي سيادته في عباءة الواعظين ليحدثنا عن حرمة التعامل الربوي، ويتشدق علينا بأن الوضع تحت السيطرة، يا للوقاحة..!! فمن الذي جاء بالربا إلى دارفور؟! ومن الذي جعل وضعها خارج نطاق السيطرة؟! أما علماء المسلمين فيكفينا أن نترحم على روح الشهيد محمد سيِّد حاج.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..!!