: كان رحيل تاج السر الحسن رحيلاً مفجعاً. فالرجل لمن عرفه وخبره، ذلك الانسان المتواضع، وهو الشاعر الذي كان واحداً من أعمدة شعر التفعيلة في الوطن العربي في فترة الخمسينيات من القرن الماضي. وفي تواضعه وبساطته ما يصلح أن يجعله نموذجاً وقدوة لمبدعينا. وكان الرجل متمكناً من لغته العربية ومن اللغتين الروسية والانجليزية، وقد ترجم عنهما الكثير من الأعمال، وقرأ بعض هذه الأعمال قراءة نقدية. تلقينا التعازي فيه من عدد من الأدباء العرب الذين اتصلوا عبر الهاتف، وفي مقدمتهم الروائي والقاص الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي هاتفنا من تونس. كان تاج السر أحد أربعة هم:- الفيتوري ومحي الدين فارس وجيلي عبد الرحمن وصفهم الباحث زكريا الحجاوي بأنهم فتية سمر أخذوا لواء الشعر من البيض. وقد كانوا يعطرون أمسيات القاهرة بشعرهم الذي يمزج بين روح التمرد والثورة والحنين إلى الجنوب (كل على طريقته) منهم من قدم أغاني افريقيا، ومنهم من أخذه الحنين إلى عبري وآخر إلى صاي وتاج السر إلى النهود وإلى الشمال الأوسط السوداني. ربطتنا بالراحل صلة عميقة لا يشوبها كدر. ورأيت على أيام المربد الزاهر في الثمانينيات احتفاء النقاد والشعراء العرب به: د. عز الدين اسماعيل، الشاعر عبد العليم القباني، الروائي والقاص غازي العبادي، رفيق دراسته في موسكو وقد استعادا ذكرياتهما مع جيلي ونجيب سرور. وكان هناك مجيد بكتاش (العراق) وغيرهم. يبقى أن نحقق تلك الأمنية التي لازمته في الأسابيع الأخيرة وهي طباعة الأعمال الكاملة في الشعر في مجلد واحد (القلب الأخضر، النخلة تسأل أين الناس؟، النبع والأتون وقصيدتان لفلسطين، والجزء الذي يخصه من منجموعة قصائد من السودان)، وأعماله النثرية (الابتداعية في الشعر العربي الحديث، بين الأدب والناس، قضايا جمالية وانسانية، والأعمال التي ترجمها)، وهذا مجال تكريمه، وقد تشرفت من قبل بالمساهمة في اللجنة الأهلية لتكريمه، والتي ابتدر لها الدعوة أهله وعشيرته واتخذت اللجنة مسلكاً وطنياً وقومياً يشبه أهله ويناسب «التاج» في انفتاحه على الآخر.