الخرطوم: ولاء جعفر: في قعدة شاي العصير ونحن جلوس مع جدتي كنت اطيل النظر في وجهها، وتبدو على ملامحي علامات فارغة من الدهشة والاستغراب.. وفجأة قلت لها «إنتي يا حبوبة الشليخ الفي وشك ده عملوا ليك للزينة ؟« فلاحظت على وجهها سحابة حزن طفيفة، ولكن سرعان ما أن جلت حينما قالت: «إنها للعلاج»، فصمت الجميع في حيرة وقالت «انتو في الزمن ده من مستشفى لى عيادة لى دكتور» فاجاب كل بالمنزل بصوت واحد بنعم، فقالت جدتى: «احنا كان عندنا البصير بدل الطبيب وعلاجه يا بالكى يا بالفصد»، فسألها اخى الصغير «الفصد ده شنو» فاجابت قائلة: «الفصدة شلوخ صغيرة وبتكون في اماكن معينة لاخراج الدم الفاسد من الجسم» واشارت الى شلختين صغار قرب عينيها، ثم قالت هذه شلوخ تستخدم لعلاج الطفل من أمراض العيون زي الرمد والحساسية، فأخذت ادون في ذاكرتى كل ما تقوله بحرص شديد لامرين، اولهما اندهاشي لما تقول، وثانياً لانى كلفت بالكتابة عن الفصد او الاصداغ او اللدغات كما يعرف عند البعض، واجابات جدتى جعلتنى ابحث في الوجوة عن هذه العلامات المميزة بينما انا في الطريق، وفي الاسواق استرق النظر خلسة نحو ذلك الرجل ولتلك المرأة. ومن بين تلك الوجوة ام الحسن وهي امرأة في عقدها السادس، وبدأت حديثها بحسرة ظهرت على تقاطيع وجهها الذي خططته الشلوخ بشكل بارز قائلة: «إن التصفيد يبدأ من عمر ثلاث سنوات فما فوق، ويفضل التفصيد عند الصغر»، ماضية في القول إلى أن الفصادة او البصير هما من يقومان بتنفيذ المهمة ببراعة واحكام بمساعدة النساء الكبار في السن «الحبوبات» اللاتي يمسكن الصغار الذين يريدون تفصيدهم. وصمتت متحسرة على جيلها الذي شهد الكثير من العادات والطقوس القاسية، وبعد عبارات من التحسر واصلت حديثها قائلة: «يتم التفصيد بالموس على أن تكون جديدة، وبعدها يتم الضغط على المنطقة حول التفصيد لانزال الدم الفاسد، ثم يتم حشو الجرح بالقرض المسحون، وكلما كان الشلخ عميقاً يتم حشوه بكمية من القرض، فتتورم المنطقة المشلخة لعدة ايام وبعدها يتم تنظيف الجرح من القرض ويكون ذلك «بقش الحنقوق القوي»، وهو الجزء القوي من سعف شجر الدوم حتى ينزف الجرح من جديد دماً أحمر، ومن ثم يعاد حشوه ثانية، وبعدها يغسل المشلخ وجهه بماء القرض إلى ان يبرأ الجرح» لتختم حديثها قائلة: «الحمد لله النجاكم من العادات دى وحضرنا زمن الدكاترة». ودفعنى حماسي لمعرفة المزيد عن التفصيد الى التوجه الى مرجعي التراثي، وهو الحاجة العازة بت ضو البيت في منطقة الكلاكلة، وبعد قيامها بواجب الضيافة اخذت تستدعى امامي كل تفاصيل صور الماضي، وقد عاصرت هذه الفترة عندما ارتسمت على صفحات خدودها ثلاثة خطوط طولية استندت إلى قاعدة خط عرضي «ثلاثة مطارق وعارض».. ابتسمت ابتسامة تدل على الكثير ثم قالت: «حليل الزمن داك زمن شفنا فيو الكتير وعشنا ايام لا تنسى» وصمتت وتحولت الابتسامة الى عبوس محير ثم قالت بلكنتها الجميلة :« كانت امي السرة بنت عبد الحميد رحمة الله عليها بصيرة، لأن الزمن داك زمن علاج بالكى والفصد، وكانت تعتبر مقصداً للمرضى لأهل المنطقة وما جاورها». وعن الامراض التى تعالج بالفصد قالت: خالتى العزة «أم صريرة والملية والحليق والبصيرة وبت الموس»، فلمحت الخالة الدهشة في ملامحي وبدأت تضحك، فقلت لها «اشرحى اسم اسم»، فأخذت نفساً عميقاً ثم وزفيرا وقالت: «ام صريرة يعنى الطفل البشتكى من بطنو وعندوا اسهال، وطبعاً طريقة فصد هذا النوع من المرض هو تشليخ الصرة بطريقة دائرية، ويكون التفصيد بطريقه خفيفة، وبعدها يتم خروج الدم الفاسد ويسحن القرض والملح ويوضع على الجرح» لتزداد علامات الدهشة على ملامحي، ومضت الخالة العازة الى ان الميلة وهى الآم وامراض الظهر، ويتم العلاج بتكوير شيء من القماش والقطن ووضعه على بطن تلك المريضة باتجاه اليمن او الشمال، وترقد عليه بجانب واحد ثم تميلها يميناً وشمالاً وتجعلها ترقد على هذه الكوره لمسافة من الزمن، اما بعض المناطق فبعد اتمام كل هذه المراحل تفصد اسفل السلسلة الفقرية لإخراج الدم من هذه المنطقة، وصمتت الخالة العازة وقالت اما «البصيرة» شلختين بالقرب من العين لعلاج التهابات العين و«بت الموس» ورم اسفل الاذن. وأخذت العازة تدندن بأغنية التاج مصطفى «حبيب لي من شوفتو مده .... حبيبي نسى الموده.. اخضر زرعي لونو.. حبيب في خديدو فصده».