الخرطوم : صديق رمضان: ليس المعني بهذه القضية رئيس الادارة العامة لوقاية النباتات بوزارة الزراعة خضر جبريل في شخصه ،فهو قد وضعته الظروف فقط في هذا الموقف وكان من الممكن ان يكون هناك اي شخص اخر خلافه في ذات موقفه،وربما يكون هناك اخرون لم يكتشفهم احد ،وخطوط هذه القضية متشابكة ،وتفاصيلها تكشف بجلاء كيف تتقاطع القرارات الحكومية التي يجد بعضها طريقه للنفاذ ،فيما تعترض «متاريس موضوعة» الاخري وتحول بينها ،وبين انزالها علي ارض الواقع ،لاسباب ربما يختلط فيها الخاص بالعام،وربما تكون خافية علي العامة. والقرار الاخير الذي اصدره ديوان المراجعة القومي ،ليس الفصل الاول في هذه القصة التي تستحق ان يكتب علي غلافها»كتبت في السودان» ، فالقرار قضي بإيقاف مرتب مدير الإدارة العامة لوقاية النباتات بوزارة الزراعة الاتحادية، خضر جبريل موسى، اعتبارا من شهر مايو 2013، وتم التوجيه باسترداد كل المستحقات التي صرفها في الفترة من 11 يناير 2012 وحتي ابريل 2013 ،التي وصلت جملتها الي مبلغ 26.853 جنيها ،ووجهت مديرة ادارة الحكم القومي الاقتصادي بديوان المراجع العام، احسان محمد احمد الشبلي، خطابا الي وكيل وزارة الزراعة بتاريخ 21 مايو الماضي، لإيقاف مرتب خضر جبريل واسترداد كل المستحقات استنادا الى قرار رئيس الجمهورية والذي قضي بإعفاء خضر جبريل وإلغاء قرار وزير الزراعة ،وطالبت مديرة ادارة الحكم القومي الاقتصادي بديوان المراجع العام بإكمال كافة اجراءات الإيقاف واسترداد المستحقات التي صرفت دون وجه حق، وإفادة المراجع العام أواتخاذ الإجراءات القانونية . هذا ليس الخطاب الاول الذي يبعث به ديوان المراجعة القومية فيما يتعلق بخضر جبريل ،فقد خاطب في الخامس من مايو من العام 2012 وكيل وزارة الزراعة ايضا، موضحا ان سلطة الاستبقاء بالخدمة المستديمة سلطة حصرية للسيد رئيس الجمهورية كما ورد بالمادة(18) (2) من قانون معاشات الخدمة العامة لسنة 1992 ،وقرارات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الصادرة لتنظيم هذا الشأن ،واوضحت مديرة ادارة الحكم القومي احسان محمد احمد الشبلي ،في ذات الخطاب الموجه الي وكيل وزارة الزراعة الاتحادية ان هناك توجيها من السيد رئيس الجمهورية بعدم رفع توصيات بهذا الشأن لعزمه التوقف عن استخدام هذه السلطة ،وجاء في الخطاب.. «استنادا علي ماذكر تري المراجعة ان استبقاء خضر جبريل لايسنده قانون ولاقرار ذو شرعية ،وانه لايستحق المرتبات والمخصصات الوظيفية التي تمنح له اعتبارا من شهر يناير 2012 حتي تاريخه،وعليه تطلب المراجعة الاتي:ايقاف المذكور عن العمل فورا ،وحصر المستحقات التي صرفت له وافادة المراجع العام لاتخاذ قرار بشأنها». الي هنا انتهي خطاب مديرة ادارة الحكم القومي الاقتصادي التابع لديوان المراجعة القومي ،وهو جهة حكومية ذات صفة اعتبارية ،ولكن هل استجابت وزارة الزراعة لقرارات هذه الجهة؟ قبل الاجابة علي هذا التساؤل ،هناك خطاب اخر من جهة ايضا لها صفتها الاعتبارية ،وهي وزارة العمل ،(وحول ذات الموضوع) ،فقد خاطبت وزير الزراعة في الثلاثين من شهر مايو من العام 2012 ،بواسطة الوزير الدكتور فرح مصطفي عبد الله ،وجاء في نص الخطاب :»يقيني انكم تعلمون ان وزارة العمل هي الوزارة المناط بها سن القوانين واللوائح التي تحكم الوظيفة العامة وتؤطر لها في كل المستويات ،وهي التي تراقب وتنفذ تلك القوانين ،وتتأكد من صحة تطبيقها ليتساوي الجميع في المعاملة وفقا للقانون واللائحة ،وعطفا علي ماجاء بعالية نود ان نشير الي ان هناك قرارا وزاريا تحت الرقم (22) لسنة 2011 صادر من وزارتكم بتاريخ 31 ديسمبر 2011 قضي باستمرار السيد خضر جبريل موسي بالخدمة ليكون مديرا عاما لاحدي ادارتكم وذلك بعد انتهاء فترة استبقائه بالخدمة التي صدرت بموجب القرار رقم(14) لسنة 2011 الصادر من مجلس الوزراء الموقر بتاريخ الخامس من يناير 2012 ،وبناءً علي ماتقدم نود ان نشير الي ان استبقاء المذكور اعلاه بالخدمة لايتماشي مع نص المادة (1،27)من قانون الخدمة المدنية القومية لسنة 2007 ،وبما ان الامر لم يستوفِ الشروط والضوابط الواردة اعلاه فإن ذلك الاجراء يكون غير سليم ويجب تصحيح الوضع بإيقافه عن العمل وعلي الجهات المعنية بوزارة المالية ووزارة العمل اتخاذ الاجراءات اللازمة. تساءلنا عن تعليق ورد وزارة الزراعة علي خطاب ديوان المراجعة القومي ومدي استجابتها لقرارات الجهة الحكومية التي جاءت مسنودة باللوائح والقوانين ومرتكزة علي توجيه رئيس الجمهورية ،وقبل الاجابة اوضحنا خطاب جهة اخري ذهبت في ذات الاتجاه وهي وزارة العمل التي خاطبت ايضا وزارة الزراعة ،والتي نوضح ردها علي الجهتين من خلال القرار الذي اصدره وزير الزراعة الدكتور عبدالحليم اسماعيل المتعافي وجاء ممهورا بتوقيعه ،حيث صدر في الفاتح من شهر اغسطس من العام الماضي اي بعد ثلاثة اشهر من خطابي وزارة العمل وديوان المراجعة القومي ،ونمرته 48 ب ، عنونه بالقرار الوزاري رقم 6،وجاء فيه»لايخفي اهمية دور الادارة العامة لوقاية النباتات في حماية الانتاج الزراعي،ونحن في منتصف الموسم الزراعي المبشر بمشيئة الله وتقديرا للدور المتميز للادارة في ظل قيادة السيد خضر جبريل موسي مديرا عاما ،بهذا اصدر القرار الاتي نصه:يكلف السيد خضر جبريل موسي مديرا عاما للادارة العامة لوقاية النباتات اعتبارا من الاول من شهر اغسطس 2012 ولحين اشعار اخر ،وعلي الجهات المعنية وضع القرار موضع التنفيذ». وذات الوزير-المتعافي- كان قد اصدر قراراً وزارياً بالرقم «5» في السادس والعشرين من يناير 2011،ورد في احدي فقراته»وبما ان ادارة وقاية النباتات تقع تحت اشرافي المباشر ،وان ميزانيتها منفصلة وحساباتها متصلة ببنك السودان ويتم تصريف مهامها وفق القوانين واللوائح الخاصة بها ،عليه فقد فوضنا السيد المدير العام للوقاية خضر جبريل موسي بكل صلاحيات رئيس الوحدة». اذا وزير الزراعة لم يكترث كثيرا لقرارات وزارة العمل وديوان المراجعة القومي الصادرة في النصف الاول من سنة 2012 ،وقد يبدو هذا طبيعيا في ظل التقاطعات وعدم المؤسسية في تعامل الوزارت والمؤسسات الحكومية مع بعضها ،ولكن مايثير الحيرة والدهشة ان هناك خطابا صادرا من وزارة مجلس الوزراء بتاريخ الحادي والعشرين من شهر يناير سنة 2012 معنون الي وزير الزراعة،وصورة منه الي وزير والمالية وجاء فيه..(الموضوع ..استبقاء خضر جبريل بالخدمة المعاشية) ..»تم عرض التوصية الخاصة بالموضوع اعلاه علي السيد رئيس الجمهورية ،فأصدر سيادته توجيها بعدم استخدام سلطته التقديرية التي تكفل له الحق في استبقاء موظفي الدولة بالخدمة العامة بعد بلوغهم سن الستين ،وبذلك تنتهي فترة السيد خضر جبريل في وزارة الزراعة والري». اذا مانخلص اليه ان ثلاث جهات حكومية «بما فيها وزارة مجلس الوزراء»اصدرت قرارا بعدم استبقاء مدير ادارة وقاية النباتات في منصبه وذلك لبلوغه سن التقاعد ،وخطاب ديوان المراجعة القومية الصادر في الحادي والعشرين من شهر مايو المنصرم يوضح حقيقتين ،اولاهما ان خضر جبريل مايزال يمارس مهامه في وزارة الزراعة ،والحقيقة الثانية ان رئيس الجمهورية لم يصدر قرارا يقضي باستثناء جبريل. وبعيدا عن كفاءة خضر جبريل واسباب تمسك وزير الزراعه به،ثمة اسئلة حائرة تبحث عن اجابات وهي علي شاكلة،هل بقاء جبريل في منصبه يعد قانونيا؟ ،ولماذا ظل هذا الرجل تحديدا مثار جدل ولغط كثيفين ،فهل هو مستهدف ام ان خبراته هي التي جعلت وزير الزراعة يتمسك به؟ ،واستمراره في المنصب الا يمثل ظلما لخبرات اخري فرض القانون عدم استمرارها بعد بلوغها سن التقاعد؟،والسؤال الاكثر اهمية ،هل تدار الوزارات الحكومية بالمؤسسية ام بالدوافع الشخصية ،واخيرا.. من يحاسب من؟.