كتبها : الطاهر عبدالحفيظ: * هريره هذه هي محبوبة الشاعر العربي الفحل صاحب المعلقه (الأعشي) (وفحولته هذه راجعة لشعره وليس لشئ آخر) .. فشاعرنا كمثله من الشعراء العرب في ذلك الوقت كانوا يبتدرون قصائدهم بذكر محبوبتهم (والتي قد تتغير من قصيده لأخري) والتغزل فيها ومن ثم يلجون في لب الموضوع سواء كان هذا الموضوع مدحاً أم هجاءاً أم غيره والبعض (من الشعراء) من يلجأ (للتغزل) في فرسه أو ناقته إن لم تكن لديه محبوبة .. ماعلينا .. المهم أن شاعرنا هذا وغيره من الشعراء يبدأون في وصف محبوبتهم وبمعايير الجمال في ذلك الوقت، وعندما تتخيل شكل هذه المحبوبة حسب وصفها بالقصيدة تري أمامك برميلاً متحركاً فمثلاً يقول حبيب هريره هذا إنها (أي هريره) } تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل { ومشي الهوينا هذا مش لأنها غير مستعجلة أو خجولة .. ويقول } يكاد يصرعها لولا تشددها إذا تقوم إلي جاراتها الكسل { يعني غير قادرة حتي علي النهوض .. وكل ذلك هو إشارة لذلك البرميل المتحرك الذي أفتتن به أجدادنا (العرب) .. ويقول شاعر آخر يصف (ساق) محبوبته (كساريتي بلنط أو رخام يرن خشاش حليها رنيناً) لاحظ الساق لوحدها مثل سارية من البلنط أو الرخام (يعني الباقي حيكون كيف)؟ .. والأمثلة كثيرة، بل بعض الكلمات التي تستخدم تدل علي الضخامة حتي ولو لم تعرف معناها مثل (بهكنة - هركولة) ولعل كل الأوصاف التي كان يتغزل فيها أجدادنا الشعراء العرب هي من هذه الشاكلة، ولعل الذاكرة الخربة لا تسعفني لايراد مزيد من الأمثلة خوف الخطأ في تحديد اسم الشاعر أو في رواية شعره وبالطبع فلكل زمان ولكل بيئة نظرتها الجمالية (لمقاييس ومكاييل) المرأة وربما أراد أجدادنا العرب أن يرمزوا لمكانة المرأة في قبيلتها والدعة والرغد الذي تعيش فيه مما يجعلها (كسوله) وحاجاتها ملباة فيتراكم الشحم ليخرج لنا هذا البرميل الذي أزاغ أبصارهم وجعلهم يتغزلون فيه .. - وإنسحب الأمر بالطبع علي شعرائنا وإلي وقت قريب لتكون لدينا نفس مقاييس الجمال التي تغزل فيها أجدادنا العرب والأمثلة أيضاً كثيرة ومعروفة لذا سأكتفي فقط بإيراد المثال التالي والذي ينسب لعكير الدامر إذ يقول في قصيدة يامولاي (اتقسم مقاطع في المشي وأتحرن.. ذي فرخ القطا اللي أماته ركن وفرن) ولكم أن تحولوا هذا البيت الشعري بالتحليل إلي واقع مشاهدة فرخ طائر يترنح في مشيته محاولاً الطيران وأن تحول هذا المشهد من الطائر إلي محبوبة عكير الدامر .. وكفي .. - وحتي أدب المديح لم يخرج من هذا الإطار (كيف دي)؟ .. ففي عدد من قصائد المديح النبوي يتم ذكر الجنة ومابها من أنهار اللبن والعسل .. وطبعاً لن ينسوا الحور العين فيحاولون وصفهن؛ ولأن الحال من بعضه أو كما قال الشاعر العربي (وهل أنا الا من غزية أن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد) فيصفون لنا الحور العين المنعمات المرفهات ... الخ فمثلاً يقول أولاد حاج الماحي في وصف الحور العين ألفاظا مثل (ماقامن حشن ماخمن للرماد مد غلبات غلاد) وغيرها من العبارات التي تعيدنا إلي البرميل المتحرك .. لذا وبالعودة إلي عنوان (المقال) هل ودعنا هريرة ؟ .. شعراً أقول نعم، فقد قل وصف المرأة بمثل هذه الأوصاف وتم إستبدالها أما بالمواصفات الجمالية العامة مثل التركيز علي العيون والشعر ووصف الوجه مروراً ب (غضبك جميل ذي بسمتك) بل الأجمل الانتقال إلي مخاطبة شخصية المرأة وذكائها مثل (الفطن الوسيم) وغيرها .. وإن كان في نفوس البعض شيئاً من حتي !!؟