الخرطوم: ولاء جعفر: اللالاية لألأ جبينا الضواية ضي الرتينة يقولو جافية نقول حنينة يقولو نافرة نقول رضينا تسلسلت كلمات هذه الاغنية لدواخلى لتبقى صور الرتينة وتستدعى امامى جميع حكايات زمن الماضي الجميل التى كانت تحجيني بها جدتي، حيث كانت الرتينة والي زمن ليس بعيداً في السودان واحدة من رموز الرفاهية الاجتماعية، فمن يستطيع ان يوفر لابنائه رتينة للمذاكرة فذلك ذو جاه، كما كانت الراعي الرسمي لجميع الافراح، فلم تكن لتكتمل توهجها إلا في وجود الرتينة، وكم من النسوة اطلق عليهن اسم الرتينة عندما يتعلق الامر بجمالهن، ولم يتوقف ضوء الرتينة عند هذا الحدود بل تعداه ليصبح جزءاً أصيلا في مفردات الأدب الشعبي والشعر والغناء «الصحافة» نفضت الغبار عن صور الرتينة داخل ذاكرة من التقت بهم، فكانت البداية مع محمد على الذي ابتدر حديثه قائلاً: لا انسى رتينة مدرسة البركل جنوب الابتدائية وذكرياتنا معها ونحن بالصف السادس الابتدائي، حيث كان الحضور للمذاكرة الليلية أمراً لا خيار لنا فيه، والويل كل الويل لمن يغيب عنها من دون عذر مقبول، وايامها كانت الرتينة عدونا اللدود وندعو عليها بالهلاك صباح مساء حتى يتم الغاء المذاكرة والحصص الليلية. ومضى محمد في حديثه والابتسامة تضيء وجهه وتصحبها بعض القهقهات وهو يتذكر شقاوته مع الرتينة، وهو يقول: كانت الرتينة تتناوشها حصيات التمر من أصحاب الكنبات الخلفية في الفصل، وقد كنا نجد سعادة كبيرة حينما يعجز المعلم المنوط به الإشراف على المذاكرة عن إصلاح أعطاب الرتينة المتكررة، فيطلق سراحنا وهو حسير وقلوبنا تضحك. «كانت تاجوج زمانها» هكذا بدأ يحيى القدال حديثه ماضياً الى ان الرتينة كانت كغادة تتربع الديار سواء للمديح أو الافراح او الاتراح، ويحافظ عليها الناس عندما تتوسط إحدى هذه الديار والاطفال يلعبون يركضون هنا وهناك فتلاحقهم صيحات الكبار « يا أولاد أمشوا العبوا غادي أوعكن تدقشوا تربيزة الرتينة دي تقوم تتحتّا» ماضياً الى ان القول: ان قماش الرتينة بعد الوليعة الاولى يبقى متل بيت العنكبوت أقل هبشة وتلقى الرتينة تشخر متل الخروف المضبوح.. واخذ يحيى يضحك وهو يواصل استرسال ذكرياته وهو يقول الرتينة كانت تحظى بالاهتمام حيث يحافظون عليها كما يحافظون على ابنائهم ويتعاهدونها بالعناية والرعاية كالطفل المدلل، كما كانت عزيزة لأنها لا يتم اخراجها إلى الناس إلا في الأحداث الكبيرة، ولأن خروجها إليهم هو في الغالب بشارة رجوع المسافر وتوافد مواسم الأفراح والأعراس، وخروجاً عن المألوف من ضوء اللمبة المسيكيني ومثيلاتها، وكان ضوء الرتينة «يفتق الظلامات» ويكسر رتابة الأحداث معلناً ميلاد فرح ما. قالت الحاجة خدم الله وهى تخط بعكازها على التراب لترسم الرتينة: «جيلكم دا ما بكون شافها» وبعد اكتمال الرسم اخذت تشرح مكونات الرتينة قائلة وهى تشير إلى كل جزء تشرحه في رسمها: «مكوناتها بسيطة خالص مجرد خزان من النحاس او الحديد به فتحة لضخ الهواء، وعمود متصل بماكينة مع وجود إبرة في رأس هذا العمود لتحكم في عملية الاضاءة، ثم راس الرتينة الذي يصنع من الشاش والزجاج، ولا تختلف الرتينة التي تعمل بالغاز عند تلك التي تعمل بالكيروسين سوى ان الخزان في الاولى مصنوع من حديد». وصمتت فترة من الزمن لتقول: في الماضى كان انتشارها واسعاً جداً، ولكن انتشار الكهرباء في كثير من انحاء السودان ادى إلى عدم الحاجة لها، ومع ذلك هنالك بعض المناطق مازالت فيها الرتينة مطلوبة، كما ان أصحاب المحلات التجارية وخاصة في أطراف العاصمة مازالوا يستخدمونها عند الضرورة القصوى للإضاءة أو يحتفظون بها احتياطاً لانقطاع التيار الكهربائي. ومضت في القول إلى ان ايقاد الرتينة في الفترة الماضية كان مرتبطاً بحدث ما قد يكون أمراً كبيراً مثل الاعراس، او الافراح، او الاحزان او صغيراً كالاجتماعات وغيرها، و للرتنية وضعية خاصة نسبةً لضوئها المشع مقارنة مع فوانيس ذلك الزمن التي لا ترى معها حتى اسفل قدميك، واجمل ما فيها الطاولة الفارعة الطول التي خصصت لها. وتقترن الرتاين في ذاكرة الزمن الجميل بسلسلة من المشاهد والصور، ففى الافراح حيث كانت تجمع رتاين الحلة كلها ولا يتولى حملها الا البالغون ممن يترفقون بها لأن الصغار يفسدونها من شدة غوايتهم بها لتميزها عن غيرها من ادوات الانارة في ذالك الزمان بطاولتها التي تشبه الزرافة طولا كما يجذب ضوؤها الحسان والراغبات في الزواج ليجلسن في مرمى اشعتها، فالاقتراب من الضوء هو اقصر الطرق الى الأضواء والشهرة المحلية.