لك التحية والتجلة والتقدير في مسيرة حياتي العملية التي مازالت وبحمد الله ممتدة بالعطاء على المستوى الشخصي والعام، جمعتني الظروف بثلة من زملاء المهنة، فسعدت بصحبة بعضهم بل تعلمت منهم وظلت بصماتهم حية تزيدها الأيام ألقاً ولمعاناً وحضوراً، والبعض الآخر تسرب عبر تجاويف الذاكرة.. وخلال هذه المسيرة يفرض التعامل بعض المواقف التي تظل حية ومتقدة ومحفورة في الذاكرة، وتأبى أن تختبئ أو يطويها النسيان بالذات تلك التي تجرح المشاعر وتجعل الفرد منا عاجزاً إلا من فعل التعبير والكتابة، ولأن جرح الكلمة لا يندمل والقلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يجبر، وهذا هو عين ما حدث بيني وبين ذلك «المدير المفتري» فقلت معزياً نفسي لو يعلم ذلك الطاغية كم نحن نمقته ونستعجله الرحيل لنهيل على قبره بعضاً من سير الطغاة من لدن فرعون وهامان وقارون وكل الذين غرتهم الدينا وخرجت لهم «عروسة» كاملة الزينة والدلال، فخطفت أبصارهم وبصائرهم، فضلوا الطريق وشوهوا وجه الإنسانية وسيرتها الطويلة ببثور وتقرحات تظل على مر الأزمان مثل شواهد القبور إيماءة موغلة الدلالة لذكرى مؤلمة لمن يريد أن يتعظ يعتبر، ويعيد قراءة التاريخ ويناجي بين الفينة والأخرى النفس اللوامة في إطار نقد الذات ووخزها الذي يمارسه العقلاء ويتبرأ منه الطغاة الذين يعبدون ذواتهم ويتلذذون بعذاب الآخرين بل بفنائهم. لو يعلم الطاغية قدر الملايين الواقفين على بابه «عند الله» يتوسلون لقاءه ويطلبون وده لأتاهم حبواً، ولكنها الغشاوة والخيلاء ومواكب المنافقين والمتملقين التي تجلب البكم والصمم. لو تأمل الطاغية حكمة عكير الدامر التي تقول: إتغشينا في حبك لبسناه عبايه يا موية الرهاب الما ملت كبايه لو تأمل انفضاض السامر وانفراط العقد والخروج الأخير مشيعاً بلعنات الملايين.. لو يعلم الطاغية أننا اخترقنا رداء التصوف الذي يتدثر به ومظاهر التواصل الإنساني التي يبديها ويدعيها وكلها مطية لحرث الدينا الزائل ومتعة لا تدوم، بل تعطل التسامي والسمو فوق أغراض النفس الأمارة بالسوء. لو يعلم الطاغية أن وعد الله بالجنة لعباده وأوصاف ذلك الجمال في الحياة السرمدية الأبدية جعلت بعبادة قوامها الدين المعاملة وقضاء حوائج الناس من غير ما نظرة ملية تبين ملامحهم وهوياتهم ودرجات قربهم وبعدهم من بلاط السلطان وجوقة الهتيفة الذين أدمنوا الصياح حتى دونما أن يسعفهم نظرهم لرؤية المنابر واتجاه ريح الكلام. وهؤلاء أصبحوا اعتياداً، فوجوههم معروفة وصفوفهم متميزة . وسيبقى تساؤل المطالعين من خلال هذا الوصف عن ملامحك وصوتك واسمك والقضية التي أو غرت صدورنا تجاهك ومصدر الخصوصية في هذا المقابل، ولهؤلاء نقول إننا نتناول أنماطاً سلوكية وأشخاصاً خدمتهم ظروف الزمان والمكان، فلا هم رسموا على وجه الزمان سيرة ومواقف طيبة ولا عطروا المكان يفوح حضورهم الإنساني . ولأن الإنسان ابن البيئة، فمشاهداتنا وتوصيفاتنا تأتي من البطانة مطمورة الحكم والكلام الزين، وقد أدار شاعرها حواراً طريفاً مع ذلك المدير «المفتري» مستجد النعمة فقال: إنقلع الموتد وإتود المقلوع بيت العز فقر شبعن بيوت الجوع ود الإضينة القبيل أصلو مو متبوع تتحدث معاه حتى حديثاً مو مسموع محمد علي عبد الجابر