٭ في تطور الاحداث في مصر وتدخل الجيش في الأمر من خلال بيان أصدره وأمهل القوى السياسية مدة (84) ساعة للوصول الى حل ينهي حالة التوتر والاستمرار في حالة تضمن مصر بعيداً من الانزلاق الأمني والذي هو بالضرورة يعني القوات المسلحة في المقام الاول وكما هو معلوم، فإن هذه المهلة قد انتهت أمس في تمام الساعة الخامسة والنصف، ولا ندري تبعات ما حدث بعد نهاية المدة التي تتزامن مع كتابة هذا المقال، وما هى الخطوات التي اتبعتها الرئاسة المصرية بقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي والقوى السياسية التي تقف خلفه مثل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية والسلفيين وأحزابهم النور والوطني والراية، بالاضافة الى أحزاب الوسط المقررة حسب الدستور لمدة أربع سنوات في مواجهة القوى المدنية والعلمانية التي يقودها التيار الشعبي بقيادة حمدين صباحي، وحزب المؤتمر والدستور بقيادة محمود موسى ومحمد البرادعي الذين يضعون قوى الشباب أمامهم من حركات تمرد والبلاك بوك وحركة 61 أبريل وغيرهم، والاستعانة بالخارج كما هو ظاهر في عمليات الدعم اللوجستي والتحرك الخارجي الذي يقود عملية تهدف في النهاية لتصل في ختامها لنهاية حكم الاخوان المسلمين حسب رأيهم. وفي ظل هذه الأجواء التي تعيشها مصر فتحت الفضائيات والمواقع الالكترونية والصحف مساحاتها للمحللين من أهل السياسة والاعلام والعسكريين والدبلوماسيين وغيرهم لتحليل التطورات وتوقع النهايات والسيناريوهات المتوقعة التي ينتهي اليها المشهد السياسي في مصر. ولكن ما لفت نظري في هذه التحليلات والتوقعات ما أدلى به أحد المستضافين في إحدى الفضائيات وأظنه المفكر ناجح ابراهيم الذي قال إن من ضمن السيناريوهات التي ينتهي اليها الرئيس المصري محمد مرسي هى «حالة البشير الترابي»، وهنا يشير إلى حالة الافتراق التي تمت في السودان عام 9991م وانتهى الى إبعاد الترابي وانفراد البشير بالحكم، وهو ما يعرف بالمفاصلة اعلامياً أو الصراع بين القصر والمنشية، والسيناريو الثاني الذي توقعه الدكتور ناجح ابراهيم هو حالة اربكان ارودغان في تركيا، وهو يشير الى فترة نجم الدين اربكان التي شابها ضعف كبير أثناء توليه الحكم في تركيا، وجاءت بعدها فترة طيب ارودغان الذي حقق نجاحات على المستوى الداخلي والخارجي، وأصبحت تركيا بفضل الله وجهد سياسته رقماً مهماً في العالم، وأسندت اليها كثير من الادوار وأصبحت جسراً للتواصل ومحطة مهمة في كثيرٍ من القضايا الدولية، وكما توقع السيد ابراهيم ناجح ضمن السيناريوهات المتوقعة أن يطبق الجيش على الأمر ويعيد ترتيب الأمور وفق مصالح واستراتيجيات مصر الخارجية، وهو دور أقرب الى سياسة حسني مبارك الخارجية التي تقوم على مصلحة القوى العالمية والعمل على تحقيق تلك المصالح ان كانت للولايات المتحدة أو اسرائيل، خاصة أن التطورات في سوريا تشير الى ان الامور تسير في صالح تلك القوى العالمية اذا استطاعت الجماعات الاسلامية إحكام سيطرتها وفرض سياستها مثل جبهة النصرة التي اعتبرتها الولاياتالمتحدة من المنظمات الارهابية، وأدخلت في تلك القائمة السوداء ضمن الدول التي ترى الارهاب. ولكن الأمر الذي نشير إليه هنا وهو ما أشار اليه الدكتور ناجح بأنه واحد من تلك السيناريوهات المتوقعة، هو سيناريو (البشير الترابي)، وهو يقصد أن يتخلى الرئيس المصري محمد مرسي عن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الذي جاء به الى حكم مصر، ويصبح رئيساً لكل المصريين. ويبدو هنا أن وجه المقارنة بين حالة الرئيس المصري اليوم وحالة البشير الترابي في عام 2991 مختلفة جداً، ولا توجد أية مقارنة بين الحالتين، إلا أن مرسي والبشير تدعمهما قاعدة إسلامية عريضة مكنت البشير ان يحكم (42) عاماً وفشلت الثانية في ان يكمل مرسي عامه الاول، ونذر الاطاحة به من قبل القوات المسلحة قد بدأت في الافق، كما ظهر في ذلك البيان الذي أمهل القوى السياسية «84» ساعة. وكما هو معروف فإن البشير جاء الى الحكم عبر تغيير قادته القوات المسلحة في عام 9891م، وهو أحد أبناء القوات المسلحة، وكان على رأس ذلك التغيير الذي حدث في ذلك العام، وجاء هذا التغيير في ظروف اقليمية ودولية مختلفة تماماً ساعدت النظام الجديد في السودان على تثبيت أركانه بعد انشغال العالم بانهيار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بفترة قليلة، وتحول العالم الى القطبية الآحادية بدلاً من القطبية الثنائية التي كانت تمثلها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، والأمر الثاني أن النظام الجديد جاء عقب نظام ديمقراطي وحكومة ائتلافية ضعيفة كان يقودها السيد الصادق المهدي لم تلب احتياجات المواطن العادي ولم تستطع ان تعالج مشكلة التمرد الذي استفحل ووصل الى مناطق النيل الازرق وجنوب كردفان، فكل هذه العوامل مكنت نظام البشير من تثبيت أركانه بدعم كبير من القاعدة الإسلامية التي مثلت له آلية للتواصل مع الشعب غير المستويات الأولى للحكم في المحافظات والمحليات واللجان الشعبية ومنظمات المجتمع الاهلي والمدني وغيرها. أما حالة «البشير الترابي» فهى حالة مختلفة جداً عن تلك الحالة التي يعيشها السيد محمد مرسي الآن، فاختلاف البشير داخلي بين رأس الحكم والجهاز التشريعي والجهاز السياسي اللذين كان يقودهما الترابي عبر رئاسته للبرلمان والأمانة العامة للمؤتمر الوطني، وهذه الحالة غير متوفرة الآن بين الرئيس مرسي والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بل مما يؤخذ على مرسي أنه ينفذ سياسة المرشد، بل ويأخذ التوجيهات والتعليمات منه. البشير واجه تحدياً داخلياً أى داخل البيت الإسلامي، واستطاع أن يعالج هذا الأمر داخل المؤسسات من داخل المؤتمر الوطني نفسه، وما مذكرة العشرة التي طالبت بتعديلات في النظام الاساسي للمؤتمر الوطني وفك رهن المؤسسة السياسية من فكر (الرجل الواحد) ما هى إلا حالة من حالات المؤسسية، ولكن الرئيس المصري لم يواجه تحدياً داخلياً، بل واجه تحدياً خارجياً أى من خارج البيت الإسلامي ممن يعرفهم من المدنيين والعلمانيين ووراءهم قوى خارجية والدولة العميقة التي خلفَّها الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وبالرغم التحالف الإسلامي الكبير بين الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والسلفيين والسلفيين الجهاديين، إلا أن تلك القوى لم تفلح في ان تصل الى رؤية تستطيع ان تنفذ المسار السياسي في مصر لصالح تلك القوى الإسلامية. والبشير استطاع أن يتجاوز حالة التحدي التي ظهرت داخل البيت الإسلامي دون أن يكون لها أثر كبير في حياة المواطن أو تركيبة المؤسسات التنفيذية السيادية داخل الدولة، بل كانت فتحاً للسودان في تعامله الخارجي وأكسبته المزيد من الأصدقاء ورفع درجات التعاون الدولي، وفتحت آفاقاً جديدة للعمل الدبلوماسي بعد عام المفاصلة في ذلك العام. والسودان واجه نوعاً من الضغوط بعد غزو العراق للكويت، واعتبرته بعض الجهات من دول الضد، وكان لهذا التصنيف أثر كبير في حركة الاقتصاد والاستثمار، لكن السودان استطاع ان يتجاوز هذا الامر بدبلوماسية (النفس الطويل) الى ان عادت علاقته مع دول الخليج الى طبيعتها، وهذه الاستثمارات السعودية والبحرينية والقطرية والكويتية تزداد بين الفينة والأخرى داخل السودان. أما الرئيس مرسي فقد واجه تحدي العلاقة مع إيران والانفتاح معها، الأمر الذي يجيء بصورة غير مباشرة على حساب العلاقة مع الخليج. وبدا الدعم القطري للرئيس مرسي واضحاً من خلال مليارات الدولارات التي تدفقت على مصر من قطر في أشكال مختلفة، وسخر البعض من هذا الدعم المتواصل، حتى قيل أن قطر تريد ان تشتري (أهرامات الجيزة)، وظلت السعودية في حالة توازن، وقالت على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل إن من يحكم في مصر هو خيار الشعب ولا صلة لنا بذلك ان كانوا إخواناً مسلمين أو غيرهم، ولكن الاسلاميين في مصر ظلوا ينظرون الى العلاقة مع دولة الامارات بشيء من الريبة، خاصة أنها استضافت رموز النظام السابق مثل رشيد محمد رشيد وزير التجارة واحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك ومنافس مرسي في الانتخابات الأخيرة، بالإضافة الى تصريحات ضاحي خلفان تجاه الإخوان المسلمين بعد ضبط خلية تعمل في امارة دبي، فهذا التحالف الداخلي الخارجي قد زاد من الضغط على مرسي ولم يفلح في علاجه بالصورة المطلوبة. إن المقارنة بين حالة الرئيس محمد مرسي والرئيس عمر البشير غير واردة في حالة السيناريوهات المطروحة لنهاية الأزمة السياسية في مصر من حيث الصلة والتشخيص والمعالجة، كما أشرنا الى ذلك من خلال هذا المقال، ولكن الإسلاميين في مصر يبدو أن لهم تصوراً لمعالجة هذا التحدي الداخلي والخارجي، ونأمل أن يكون مخرجاً لهم من المشكلة وليس مخرجاً لهم من الحكم.