: في حفل تأبين محضور،عدد مواطنو وطلاب ولاية شرق دارفور بالخرطوم ،مناقب الشهيد أمين عيسي عليو ،الذي يعتبر ارفع دستوري دارفوري تسيل دماؤه وتصعد روحه الي بارئها ،وهو يسعي للسلام واصلاح ذات البين ولنزع فتيل أزمة نزاع قبلي مسلح،واجمع المتحدثون علي انه كان رجل دولة وسلام وتنمية،وتساءلوا عن امد الصراع بالاقليم المتضرب امنيا منذ 2003 ،»متي ينتهي ومن المستفيد منه»،مؤكدين ان تصاعد وتيرة النزاعات المسلحة يستوجب وقفة جادة لاعادة الاوضاع الاجتماعية بدارفور الي سابق عهدها . سيرة الشهيد امين عيسى عليو حاشدة بالعلامات المضيئة والاشراقات والانجازات ،فخريج جامعة ام درمان الاسلامية ،كان اول معتمد لمحلية بحر العرب ومفوضا لمفوضية الرحل حتي تاريخ استشهاده ،ويعتبر من اكثر القيادات السودانية اهتماما بالتعليم ،حيث حقق العديد من الانجازات في هذا الصدد خاصة علي صعيد الرحل الذين نذر حياته لترقية مجتمعاتهم ،وكان له شرف تأسيس مدرسة بنات الضعين الثانوية ،وتشييد مئات الفصول بشرق دارفور ،وادخل نظام التعليم المتنقل بمحلية بحر العرب ،وكان مهتما بتعليم الفقراء موقفا جزءاً من راتبه لهذا الغرض حتي بلوغهم المراتب العليا من التعليم ،كما ان الفقيد افرد حيزا كبيرا من اهتماماته بالسلام ،حيث كان من الرواد الذين عملوا علي درء الفتن بين القبائل ،وشارك في الكثير من مؤتمرات الصلح ،ومن خلال عمله عضوا للجنة الشعبية لدارفور ،عمل علي تمتين عري التواصل والعلاقات بين قبائل دارفور ،مهتما بالاعراف الداعية للتعايش السلمي ،وكان من الذين يرفضون الحرب مهما كانت المبررات ،وظل يؤكد دوما علي ان الحوار هو الوسيلة لحل كل الخلافات والنزاعات. يعود تاريخ استشهاد امين الي التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 2008 ،وبما انه معروف وسط مجتمعه بانه ماقت للحروب ،اعتاد الاندفاع مباشرة وسط الحشود المسلحة في حالة الاحتراب القبلي ، ،ويسجل له التاريخ الكثير من المواقف التي دللت علي قوة شكيمته ورباطة جأشه وميله للسلام الذي لاتلين له قناة من اجل ادراكه ،وقبل استشهاده باسبوعين سجل له التاريخ موقفا نادرا اكد علي اصالة معدنه وايمانه بالمبادئ التي نذر نفسه من اجلها ،بل اوضح شجاعته واقدامه ،وذلك حينما اقتحم معركة قبلية رصاصها ينهال من كل جانب ،وذلك لايقاف نزاع مسلح بين الصعدة وبعض بطون الرزيقات ،دخل عليهم وهم يشهرون السلاح ،بيد انه لم يكترث او يتسلل الخوف الي نفسه الشجاعة،حتي وصلهم بعربته ،ثم اكمل المسافة راجلا ،محذرا من مغبة الاقتتال ،يدعوهم الي ماقال الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ،فكان ان انخفضت البنادق والوجوه ولم يجد المتحاربون الذين قادهم الشيطان سوي الانصياع لرجل السلام،بعد ان اكبروا فيه الشجاعة والاقدام والتضحية ،ارخوا اليه سلاحهم ،وادنوا منه آذانهم واستشعرت قلوبهم لحكمه ثم امضي صلحا بين الفريقين،ومايزال هذا الصلح الذي حقن الدماء ماضيا. وتعود تفاصيل استشهاده الي خمس سنوات الي الوراء ،وذلك حينما اوكلت اليه حكومة علي محمود وقتها مهمة اصلاح ذات البين وايقاف الاحتراب بين الترجم والبني هلبة،حيث فضل قضاء ليلته تلك عقب وصوله الي ارض المعركة مفترشا الارض وملتحفا السماء رغم رجوع الوفد المرافق له ،واختار منطقة وسط تفصل بين القبيلتين المتنازعتين وذلك حتي لايتجدد النزاع في ساعات الليل ،وظل ليلته تلك كمن يطوف بين الصفاء والمروة وهو يتحرك بين القبيلتين لتهدئة الخواطر ،الا انه وفي الصباح اوغر الشيطان بعض صدور الفرقاء وقادهم لوضع اياديهم علي الزناد ،حتي يتواصل مسلسل حصد الارواح،وهو الامر الذي تصدي له الفقيد أمين عيسى عليو حتي لايتجدد القتال ،رافعا ملفحته البيضاء وملوحا بيديه الطاهرتين ،مستبقا حضور القوات المشتركة من الجيش والشرطة حتي يحافظ علي الهدوء وعدم انزلاق القبيلتين لمربع الحرب ،الا ان طلقة غادرة انتاشت الشهيد في مقتل ،وهو يلوح بيده مترجيا الفرقاء بضبط النفس ،طلقه بخسة الثمن اذهبت برجل غالٍ القيمة. ذهب الي حال سبيله ملاقيا ربه ،ليبكيه السودانيون عامة والدارفوريون خاصة بدمع هطال ،واوضح دليل علي مكانة الرجل في قلوب الجميع،اقامة 7 سرادق عزاء في توقيت واحد بكل من نيالا والضعين ،جوبا ،واو وفي ابومطارق مسقط رأسه وقرية تمبركو مقر اصدقائه وبالعاصمة الخرطوم. كان الفقيد مواجها شرسا لدعاة واغنياء الحرب وارباب الفتن الذين يسترزقون ويكنزون الاموال علي جماجم الابرياء ودماء البسطاء بدارفور. ذهب امين الذي اتفق كل المتحدثين في حفل تأبينه انه كان اسما علي مسمى مضحيا بروحه من اجل ان يصمت صوت الحرب القبلية،التي استعرت نيرانها في الفترة الماضية ،حاصده للارواح البريئة ،ومقضية علي الاخضر واليابس ،ولأن البدر يفتقد في الليلة الظلماء ،افتقدت دارفور من هم علي شاكلة أمين عليو الذين يمشون بين الناس بالكلمة الطيبة والدعوة الي السلام والحوار ،وليس اولئك الذين يتكسبون مالا ووظائف وومناصب من الحروبات القبلية . الاحتفال جاء معبرا وحاشدا بالعواطف الجياشة ،الا ان ثمة حزن دفين تسلل الي نفسي وربما بعض الحضور ،علي اثر غياب قيادات الدولة عن حفل تأبين رجل بقامة هذا الوطن ،اعطي ولم يستبق وذهبت روحه فداءً للسودان،وهو غياب غير مبرر ،ولكنه غير مستغرب في هذا الزمن الغريب.؟