د. نوال حسين عبدالله: ان التغيرات البيئية التي تحدث في انظمة المناخ من ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب هطول الامطار، وكوارث بيئية من فيضانات واعاصير وانحسار مساحة الاراضي الخضراء يثير تحديات أخلاقية يجب التعامل بها في اطار من التفكير النقدي لسلوكياتنا ، وانتهاز الفرصة للاهتمام بالابعاد الاخلاقية لتعاملنا مع البيئة . واذا تم التعامل بالبعد الاخلاقي في كل نواحي حياتنا لما كنا وصلنا الي هذه الحالة المتردية!!!! ان الأنشطة الحياتية يجب ان تربط بالاخلاق _الانشطة الاقتصادية - التكنولوجيا- السياسة والحكم - التعليم - الدين - واذا تم فقدان المعايير الاخلاقية كان هذا الحال الآن الذي يغني عن السؤال !!!!! لذلك لكي نقوم من وهدتنا هذه لابد من توفر أساس للتفكير في أهمية وضع المعايير الاخلاقية في تعاملنا مع كل الاشياء. تعرف الأخلاق البيئية، بانها«الالتزام الأخلاقي والقانوني تجاه الكائنات الأخرى، وتجاه النطاق الحيوي ككل، الى جانب، وبالتوازي مع، الالتزام الأخلاقي بين البشر تجاه بعضهم بعضًا» .ان المحافظة علي البيئة من مكارم الاخلاق وقد ادرك اهلنا في السودان من قديم الزمان تلك المفاهيم الخُلقية التي تحض وتحث علي حماية البيئة فلعب ذلك الموورث الثقافي دورا كبيرا في المحافظة عليها الي ان اتينا الي زمن عزت فيه الاخلاق فاصابها الدمار والهلاك وقد يستغرب بعض الناس ان من ممارسات اهلنا البيئية في السابق،انهم كانوا لا يقتلون حتي النمل ويحرمون صيد الطيور، ويمنعون قطع الاشجار ولا يلوثون مصادر المياه، ولا يلعنون المطر، ولا يرمون النفايات علي قارعة الطريق!!! وذلك لادراكهم وفهمهم للتوازن بين مصالح البشر ومصالح الكيانات الطبيعية واهمية تقاطعاتها والمعايير الاخلاقية التي تحكم ذلك!!!!!! فتعلموا عشق المطر، والفرح بالصباح الجديد، واتخذوا من الأشجار مأوي و معالم لمعرفة الطريق، ومعرفة السنين والايام واهتدوا بالنجوم في سماوات صافية لم تعكرها الأتربة!!!!!!! لذلك ان الذي تتعرض له البيئة الآن نتاج طبيعي لضعف الوازع الأخلاقي ،فاخلاق اهلنا السودانية الاصيلة كانت عنصر الحماية الرئيسي للبيئة ومواردها ومكوناتها، ووفرت استقراراً بيئياً واجتماعياً . . . من كان يأكل وجاره جائع من كان يبني عمارة شاهقة ليكتم انفاس اهل الحي جميعاً !!!! من كان يمارس النفعية والأنانية الطمع والجشع والاحتكار علي ابناء بلده !!!! من كان يسرق غابة ليتنزه عليها وحده!!!! من كان يعمل علي تحويل الغابات الى مزارع !!!!، و تحويل الموائل البرية الى مشاريع زراعية استثمارية!!!!!! ان هذا فعل يدل علي نقص الاخلاق البيئية اوعدم الاهتمام بها !!!! الذي ينظر الي هذا ويصمت ايضاً تنعدم عنده الاخلاق البيئية فدورنا هو المحافظة علي هذه البيئة، هذا الجهل باهمية الحفاظ علي البيئة ألحق ظلما كبيرا ببيئتنا الطبيعية، فنحن وبكل حرقة نمارس أقسى صور الظلم والافساد لكل مكوناتنا الطبيعية. وهنالك التزام أخلاقي منا للأجيال القادمة في المحافظة عليها!!!! وتتجسد تلك الانانية حينما يعتقد الانسان أنه وحده مالك لهذا الكون لا تشاركه فيها كائنات حية وكائنات غير حية!!! وينسي غضب الطبيعة الذي لا يستطيع له رداً لما يلحق بها من دمار ويالها من غضبة!!! والمتابع االاخبار ويري الفيضانات العارمة التي تأخذ كل شئ في طريقها يدرك ان الطبيعة اقتصت لنفسها من ظلم الانسان والانسان أضعف من أن يقف في وجه الطبيعة اذا غضبت!!!!! حكي لي احد خبراء الغابات بأن احد غابات ولاية سنار لا يتم قطع الاشجار منها لانها مسكونة بالجن لذلك دائمة الخضرة وحمدت لهذا الجن الذي حمي غابته من ان تكون حلا لمشكلة احد تعطي له لكي يقطعها ويستفيد من ثمنها !!!!!وهنا ايضا الطبيعة تحمي نفسها فهم مخلوقات في هذا الكون ولسنا وحدنا !!!! فالهواء والماء والتربة والنبات والاحجار والصخور كلها لها حقوق علينا ومن الواجب الأخلاقي علينا أن نحفظ لها حقوقها!!!!!! ان التغير المناخي ينذر بعواقب وخيمة على الحقوق البشرية الأساسية، فكل انسان له الحق في الحصول على الماء والغذاء والمأوى ، لكن أحوال الطقس الحار وانعدام الامطار الناجمة عن التغير المناخي تمثل تهديدًا للأراضي الزراعية مما يؤدي الى أزمة غذائية والحاق الضرر بموارد المياه، ونحن من الدول المعرضة الي سيناريوهات قاسية لهذ التغير لذا فاننا في حاجة لمحاولة وقف ظاهرة الاحتباس الحراري اوالتكيف معها وهذا المنظور الأخلاقي يضمن حماية الحقوق الانسانية الأساسية والحفاظ عليها من أجل وضع اقتصادي واجتماعي آمن . يجب علينا ان نغير نظرتنا الى الطبيعة على أنها وسيلة لتحقيق غايات الانسان،بل ان ننظر اليها ايضا بأن لها قيمة ذاتية وان يصاغ هذا المفهوم في حياتنا اليومية وفي السياسات البيئية ان وجدت!!!! ان الاخلاق البيئية المطلوبة ان نضع للطبيعة قيمًا ذاتية ثابتة ومنظورا جديدا وهذا يساعد في ايجاد بيئة نقية وصحية تحقق لنا الرفاهية والحياة الآمنة. اذا رجعنا الي موروثنا نجد ان الأخلاق الاسلامية تنظر للطبيعة على أنها أداة ووسيلة ينتفع بها الانسان، وبأن لها ذات قيمة ذاتية جوهرية في نفسها ايضاً ، ويتأتي هذا في أن الطبيعة تؤمن و تسبح بحمد ربها ايضاً!!!!! ولسنا وحدنا المسبحون!!!! أي ان هنالك علاقة أخلاقية بين الانسان والطبيعة، في انهم يتجهون ويسبحون لخالق واحد هو الله عز وجل فكيف تمتد ايدينا لها بالدمار!!! بل يجب أن نقدرها حق قدرها فهي صورة مجسدة علي عظمة الخالق الذي سوي وابدع ، وهذا الابداع في الطبيعة والأنسان و بكل هذا النظام والجمال دليل على وجود الله وعظمته و توصل من خلاله الناس الي الايمان بهذا الخالق الحكيم !!!! فكيف بالله ندمر تلك النعم !!!!