لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية منصور الصويم(تخوم الرماد) والكتابة في حقل الألغام

دراسة نقدية بقلم /صلاح الدين سر الختم علي: من يقرأ رواية تخوم الرماد للروائي السوداني *منصور الصويم، ينتابه إحساس مسيطر بأنه يسير على حقل ألغام من الصفحة الأولى حتى الأخيرة،.فالرواية التي تدور أحداثها كلها في إقليم دارفور المضطرب هي بالفعل حقل من الألغام يمشي فيه مؤلفها بحذر شديد كمن يمشي على الحبال، يحاول عبثاً تفادي الألغام، لكنه في كل مرة يدوس على لغم كامن فتشتعل السماء وتتطاير أجزاء بشرية مزقاً جهة اليمين وجهة اليسار، هي رواية ترصد عذابات بشرية لاتنتهي، ودماءً مسفوحة بلا عقاب ولاسبب في أرض دارفور، تدق التفرقة بين الجلاد والضحية في الرواية كما هو الحال في أرض الواقع، إذ يرتدي اللص ثوب المقاتل وتنسب للضحية صفة المهاجم، ويلف غموض فاجر في سفوره كل شئ ولكنه لايستر عري الحقيقة.هل هي الصدفة التي جعلت من أبطال الرواية كلهم نماذج سلبية، أياديها ملطخة بدماء الأبرياء؟ هل هم أبطال في الحقيقة أم أنهم أبطال الرواية الحقيقية التي تجري على أرض الواقع، أولئك الذين نصبوا أنفسهم آلهة وحكموا على الآخرين بالموت أو العيش في الحدود التي يرسمونها للحياة؟.
الرواية من منشورات مكتبة الشريف الأكاديمية، وتقع في ستٍ وستين صفحة من القطع الصغير. القصة تروى بواسطة عدة رواة، الراوي الأول النقيب (حسين الطاهر) وهو رجل يتبع لجهاز أمني مكلف بحراسة مسؤول سابق بات قيد الإقامة الجبرية في قصره، يسمي الراوي نفسه سيد الظلام(الظلام لي ، أدور فيه، أمزقه،أهشمه واجعله شظايا ثم أرتقه وأعيد الترتيب فيه.انا سيد المدينة، سيد الرجال، سيد الظلام والأوهام.)
ثم يعطينا لمحة عن الشخصية المكلف بحراستها(بين نومه وصحوه وجد نفسه حبيساً بين ذات الجدران العالية.القصر الفخيم قصر هنائه ولياليه الخالدة، تحول إلى سجن.ذات الرجال من كانوا يحرسونه ضد لسعات الباعوض ويحمونه من صرخات الصغار، صاروا حرساً عليه. عيونهم تترصده من أعلى الأبراج العالية، يحسبون خطواته ويضبطون لفتاته)
هكذا يبدو الرجل تجسيداً لسلطة أفلت شمسها، لكن السلطة الراهنة تخشاه لسبب ما، وتجعله قيد المراقبة الدائمة واللصيقة.هكذا من السطور الأولى يبين موضوع الرواية في كونها ترصد صراع النفوذ والثروة والسلطة في السودان، وفي دارفور تحديداً. وليجعل الأمر واضحاً في كونه صراع المركز والهامش، يورد على لسان الراوي ضابط الأمن مايلي:( بعربتي الفارهة اشق حواري المدينة البعيدة تلك الطرفية، البيوت من حولي هامدة وقشها يصفر مع ريح الصباح،أهبط البيوت الخيران، أصعد البيوت التلال.اقترب بعربتي من طلمبات المياه اليدوية أوقف عربتي، تموت الطلمبات تهمد الأيدي وتتركز العيون عليّ أنا الغريب، الأنيق، المريب) ص3
هذا المقطع من الرواية يورد فيه الكاتب بذكاء ملامح صراع الهامش والمركز في السودان،فالعربة الفارهة تقابلها البيوت الهامدة التي يصفر قشها مع الريح،المركز يقود العربات الفارهة التي تنتمي للقرن الحادي والعشرين، بينما أهل الهامش يعيشون في قطاطي من القش تنتمي للعصور القديمة، وتعبيرالمدينة الطرفية البعيدة هو تجسيد آخر لنفس المعنى،وليس المقصود البعد الجغرافي بل التأكيد على مفهوم الهامش ، والوصف هو لمدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور. وهناك تجسيد آخر من خلال وصف الطلمبات اليدوية التي تعرف بالكرجاكة، وهي منتشرة في دارفور ونيالا وهي إشارة إلى أزمة المياه التي عجزت الحكومات عن حلها بصورة تليق بالإنسان. أما توقف الأيدي عن ضخ المياه من الكرجاكة أو طلمبة المياه عند قدوم ممثل سلطة المركز، فهو تصوير لموقف الإنسان البسيط من السلطة. موقف الخوف والشك والارتياب الذي جعل ممثل السلطة يشعر بأنه غريب ومريب . إنه تصوير جيد وجميل لمسألة الإنسان والسلطة في كل مكان وليس في السودان فحسب.
ثم يقوم الراوي بتقديم صورة أولية عن المسؤول السابق في لقطات وصفية سريعة له ولقصره(البوابة الضخمة المليئة بالنقوش الدقيقة ورسومات الطير والغزلان، ينفتح وسطها باب يفضي إلى الداخل.أشجار الجوافة والليمون والمانجو والبرتقال تنبثق بغتة، كتلة خضراء تنتشر بلا نظام، الغزلان الصغيرة تمرق بقربك متقافزة ثم يبدأ الضجيج، عشرات الطيور المزقزقة المرفرفة فوق رأسك) ص 4 ,هكذا يبدو الرجل أسداً عجوزاً يعيش في غابة مصغرة، ولكن كونه بات أسداً بلا أنياب فإن الغزلان تتقافز في طمأنينة في غابته، وهذا مظهر دائم من مظاهر الطغاة صغاراً كانوا أم كباراً، وهو أنه حين تزول هالة السلطة الغاشمة عنهم ويعودون بلا أنياب، فإن الخوف منهم يزول ويتجرأ عليهم كل من لم يكن يجرؤ على المرور بشارع من المحتمل عبورهم له.
ثم نكتشف أن الرجل يعاقر الخمر(استند بيده على التراب وبعيون مخمورة أخذ يتفحصني.) ص 4
وفيما بعد يشاركه الراوي شرب الخمر لنكتشف شيئاً مشتركاً بينهما، وهو شرب الخمر، وفي المستقبل نكتشف وجوه شبه أكثر فالراوي في الحقيقة امتداد لشخصية من يحرسه في الزمان والمكان( حين تركته كنا قد قضينا على زجاجة العرقي وأكلنا اللحم المشوي وتركنا زجاجة الويسكي لحين إيابي) ص 1.
النهوض من الحضيض إلى المجد الزائف:
ينسج الصويم أسطورة الرجل الذي نهض من الحضيض، كان جندياً صغيراً في الشرطةمفتوناً بزيه العسكري فتم نقله إلى منطقة بعيدة تسمى العشوش ليعسكر هناك برفقة اثنين من زملائه . يصف العشوش فيقول(وكانت العشوش قطاطي بلا حيشان منثورة ،عدة أغنام وحمير وشمس مهلكة، وطين ووحل وناموس) يشعر الجندي بأنه ضحية مؤامرة (اعتبرت كل ذلك مؤامرة دنئية ضدي، طوال ستة أشهر لم أتوقف عن التفكير في السبب الذي لأجله أرسلونا لذلك المكان القصي)ثم بدأ يكتشف سحر السلطة ويمارسها في ذلك المكان، ومارس سلطته مرة ضد رجل سرق دجاجة ومرة ضد رجل يسمى تورين أراد الاستيلاء على زوجته التي أعجبته ، فقام باعتقاله وإجباره على تطليق زوجته تحت التعذيب، بدعوى أنها طلبت الطلاق منه، ثم يبدأ نجمه في الصعود حين يقود قوة من الشرطة للقضاء على عصابة نهب كان أفرادها نائمين حين هاجمتهم القوة، وخلال تلك العملية يتعرف الرجل على قائد عصابة النهب وهو تاجر عطور في المدينة، ويتعارك معه ثم يسمح له بالفرار نظير أن يقدم له الأخير خدمات في المستقبل تجعله يرقى سلم المجد. بتلك العملية يصير الجندي ضابطاً برتبة الملازم (وفرزوا له قوة خاصة تحت إمرته. رجال أشداء يتلقون تدريبات خاصة، قادرون على تحمل الجوع والعطش والتهام الضفادع.عربتان معدتان جيداً خصصتا له، مجموعة من الجمال الشرسة والخيول المدربة . وصار المسؤول عن كل ملفات النهب) ص 15
ثم بدأت لعبته الخطرة مع الرجل العطار زعيم عصابة من عصابات النهب، فيغض الطرف عن نشاط مجموعة الرجل العطار ،ويزوده الرجل بمعلومات عن مجموعة أخرى يقدمها له كبش فداء ( يموتون برصاص رجاله الدمويين، يموتون معلقين على حبال مشانق المدينة، ويقتسم هو الثروات مع الرجل العطار ويتلألأ بطلاً في سماء المدينة) ص 15
وحين يوشك أمره أن يُكشف بفعل جهود ضابط نزيه يتخلص من الضابط باستخدام نفوذه، ويتخلص من شريكه العطار بعملية عكسية ويقضي عليه قضاءً مبرماً، ويسطع نجمه أكثر. بات الرجل الأسطورة الذي يخطب الناس وده. وفي هذه الظروف تعرف على سليم أمبدي وهو من الزعامات القبلية الشابة، وكان واقعاً في ورطة نجمت عن ابتزاز رجل قواد له بصور فاضحة صورها له بعد أن استدرجه بزوجة حسناء.وهنا قدم الرجل الأسطورة خدماته لسليم بنجاح ساحق، خلصه من جميع كوابيسه وكان مصير المبتز السجن ثم الموت. وبدا الرجل الأسطورة مجداً جديداً مع سليم امبدي غير فيه جلده بالتحول إلى إدارة المرور ابتداءً، ثم ولج عالم السياسة والناس المهمين عبر بوابة سليم، وتعلم دروب التصاديق والرشاوي وأكل أموال بذرائع مختلفة. توالت النجوم على الكتف حتى صارت صقوراً ومقصات. يصور الصويم الأمر بشكل بديع يبين كيف تكون ذاكرة الشعب وقّادة في رصدها للتحولات الاجتماعية، فيجعل الرجل الأسطورة يكشف كيف أنهم تلاعبوا بكل شئ وفي كل شئ(أسافرإلى العاصمة وأدور على الرجال المهمين وأخرج بالتصاديق الخطرة السهلة،عشرة آلاف برميل بنزين لبكاسي أم عشوش،نصيب الإقليم من التموين عشرات الأطنان من السكر والدقيق أحملها تصاديق بجيبي وأبيعها ورقاً،المدينة تحتاج لسرب عربات جديد. بوليس المدينة يحتاج لشرابات جديدة،الغابات في شرق المدينة تصد الهواء وتأوي عصابات النهب فتبدأ مناشير سليم في ذبح الأشجار) ص 30.
ثم يصبح مسؤولاً عن التنمية، ثم يتم اختياره لمنصب أمني حساس فيتزايد نفوذه وتتزايد ثروته، ويتزايد نفوذ سليم وتحكمه في مصائر الناس.يصف الرجل المنسي سليم وصفاً دقيقاً(سليم امبدي نوع غريب من الرجال يمتلك المئات من الأبقار والآلاف من الأفدنة الزراعية، ويقاتل لأجل عنزة..يترك زوجته تموت ببطء بالسرطان ويخطط هو للزواج بامرأة تضمن له حظوة وسنداً في الديار البعيدة) ص 46 . وليست تلك هي عيوب سليم الوحيدة، فهو عنصري ومشعل حروب(سليم أول من أشعل الفتنة. كان يتكلم بغموض عن النقاء والأراضي الشاسعة_كان يقول :سنجد أنفسنا محاصرين بوحدة اللون .سليم أول من اشترى لرعاته أسلحة متقدمة وأخذ يقهقه حين أخبروه بأن الرعاة يتدربون على أجساد القرويين العراة.) ص .46.
ولكن الرجل الأسطورة لعب بالنارمع سليم الذي أخذه من الحضيض إلى القمة فقام الرجل وهو يشغل منصباً سياسياً وأمنياً رفيعاً بمد أحد الخصوم لصديقه وهو من الزعامات القبلية المنافسة بالسلاح سراً حتى بات ذلك الرجل (سلطان منطقة أم عضام) بعبعاً مخيفاً وأدرك الرجل الأسطورة خطورة الموقف بعد أن تلقى تهديدات مباشرة من السلطان الذي زاده السلاح غروراً، فقام الرجل بتجهيز حملة إبادة وهاجم قرية أم عضام وأصدر أوامره الصريحة(بعد ساعة من الآن لا أريد دجاجة حائمة بتراب أم عضام) وتمت المجزرة وقتل سلطان أم عضام وجنده. بعد تلك المجزرة ضحّى سليم بصديقه القديم وووضعته السلطات تحت الإقامة الجبرية، وحملته وزر الجريمةوحده. وواصل سليم رحلة نجوميته.إن سليم يصعد السلم صوب نهايته وسينحدر إلى الحضيض يوماًما، كما انحدر كل الطغاة من قبل.إنها مسألة وقت ، لذلك يبدو شعور ضابط الأمن الراوي بالغثيان في نهاية الرواية مفهوماً بعد جولته مع سليم أمبدي، وهو يستعيد في ذاكرته حكايات الطاغية الصغير السابق، الرجل الأسطورة جندي الشرطة السابق الذي تسلق السلم حتى نهايته، ثم انحدر من جديد إلى الحضيض. إن رجل الأمن الشاب يرفض أن يكون نسخة ثالثة من سليم والرجل الأسطورة، لذلك يقرر الفرار بجلده قبل بلوغ أعلى سلم الحضيض. وهكذا تنتهي رواية كان يمكن أن تكون أفضل كثيراً مما كانت لو منح كاتبها نفسه فرصة كتابتها مرات ومرات على مهل، وإعادة القراءة من جديد، ثم إعادة الكتابة، فالرواية التي نشرت على جمالها وقوة موضوعها تعطي كل من يقرأها ذلك الإحساس بأنها تخطيط أولي لرواية عظيمة لم تتم بعد، ولم يتم إغناؤها بالتفاصيل الكثيرة المرتبطة بها.
هي رواية لامست عصب الحياة المعاصرة في السودان وفي دارفور، ولامست جذور الصراع الدائر هنا وهناك، وحاولت التعرف على مسبباته وتأثيراته في حياة الناس، لكنها وقفت عند الأبواب المغلقة ولم تبحث عن طريقة لاقتحامها وكشف أسراراها، ولو فعلت لكانت النتيجة مذهلة. هي رواية قابلة لإعادة كتابتها إعادة إنتاجها.فثمة كثير مما ينبغي أن يقال ولكنه لم يقل، وهناك ما ينبغي أن يلامس ولم تتم ملامسته. ومع ذلك كله تبقى متعة القراءة ، وروعة السرد حاضرتين، والأسئلة التي تثيرها الرواية واضحة، وتشابه بعض الشخصيات مع شخصيات عامة شغلت الناس كثيراً واضحة جداً بخاصة شخصية سليم امبدي التي تكاد تقول هأنذا .ذلك التشابه قد يجعل البعض يظن أن الكاتب يكتب تاريخاً، لكن الحقيقة أنه يكتب رواية لا غير، تتشابه بعض شخوصها وأحداثها مع الواقع، رغم كونها رواية من نسج الخيال.
من الناحية الفنية اعتمدت الرواية أسلوب التناوب السردي، حيث يبدأ الراوي (حسين) ضابط الأمن ثم يستلم الرجل الأسطورة المسؤول السابق دفة السرد، ثم يعاود حسين استلام دفة السرد ، ثم يمسك سليم امبدي دفة السرد وهكذا يظل السرد متناوباً. فليس هناك صوت واحد وليس هناك راوٍ عليم.الشخصيات في الرواية ليست كثيرة ، بل هي شخصيات قليلة جداً ، وقلة الشخصيات من سمات القصة لا الرواية، لكن ذلك لايمنع إمكانية وجود رواية قليلة الشخصيات، أو محورها حياة شخص واحد. الشخصيات الثلاث الرئيسة هي ضابط الأمن والرجل الأسطورة أو المهم المسؤول السابق، وسليم أمبدي الزعيم القبلي والسياسي المؤثر. كلها شخصيات سلطوية بحتة تمثل ثلاثة أجيال سلطوية. الرجل الأسطورة يمثل الماضي أو السلطة الآفلة، وسليم أمبدي السلطة المهيمنة الحاضرة، وضابط الأمن وهو يمثل السلطة الصاعدة المستقبلية الشاهدة على الماضي والحاضر. وهناك شخصيات حاضرة في الرواية حضوراً هامشياً باهتاً هي خديجة، المرأة التي كانت موضوعاً لشهوة الرجل المهم، وزوجها تورين الذي كان ضحية لشهوتي الجنس والسلطة عند الرجل المهم، فجاء اسمه (تورين) متطابقاً مع كونه الضحية لشهوتين. وهناك الرجل العطار قائد عصابات النهب الذي لعب مع السلطة لعبة خطرة انتهت بتخلص السلطة منه عند تعارض مصالحها مع وجوده واستمرار علاقته بالرجل المهم. ونفس الشئ حدث مع سلطان أم عضام الذي حاول أن يلعب ذات اللعبة مع السلطة على خلفية أجندة عرقية وشخصية، فكانت النتيجة دفنه هو وأحلامه وأهله في مجزرة أهيل عليها النسيان. وحتى الرجل المهم حين تعارضت طموحاته الشخصية مع مصالح السلطة ورجالها، تم إبعاده من مسرح الأحداث، ووضع تحت الإقامة الجبرية. بقدر هيمنة السلطة ورجالها على المصائر وعلى مجريات الأحداث جاءت هيمنة الشخصيات الثلاث الممثلة للسلطة على السرد شبه مطلقة، بينا كان صوت الآخرين خافتاً لايكاد يسمع. إن القالب الفني جاء معبراً عما يجري في واقع الحياة، فالمسحوقون لاصوت لهم ولا منابر إعلامية، ولايسمح لهم بالاستغاثة ورفع أصواتهم، لذلك يبقون في جوانب المشهد جنوداً يرسلون إلى الحروب، وحشوداً يحشدها سليم وأمثاله للاحتفاء بسلطة تذيقهم الويل سراً ويستقبلونها بلافتات الترحاب علناً دون أن يدروا أن ذلك الجرح من تلك الأظافر الطويلة والمخالب.أو نساء يكن موضوعاً لشهوات مريضة لممثلي السلطة، ففي الرواية يضاجع ممثلو السلطة الثلاثة نساءً مقهورات ليس لاي منهم الحق قي الاقتراب منهن،فالرجل المهم جلد تورين وأجبره على تطليق امرأته وأخذها لنفسه، وسليم غارق في العلاقات الآثمة حتى أذنيه حتى تم ابتزازه بإحدي علاقاته، وضابط الأمن يضاجع أمرأة فقيرة . المكان ظاهر في الرواية بشكل مبهريدل على معرفة عميقة بدارفور مسرح أحداث الرواية، فالمساكن الموصوفة في الرواية مساكن دارفورية بحتة، وكذلك الطبيعة والأماكن والأشياء ( الجمامات وهي منابع المياه القريبة في الوادي) بائعات الشاي ( الحجبات والتعاويذ والتمائم)( مشاهد الاحتفال بالقبض على أفراد عصابات النهب) (الحكامات أي المغنيات الشعبيات اللائي يمجدن البطولات)( عربات الشحن الصفراء) عصابات النهب والمعارك معها، والصراعات القبلية والطموحات لدى الزعماء المحليين...كل شئ في الرواية يشير إلى أن دارفور هي مسرح الأحداث، وبشكل خاص جنوب دارفور.إنها رواية تهز الساكنين وتوقظ النائمين من غفوتهم وسباتهم الطويل. هي رواية ساحرة على قصرها وعدم اكتمالها كما ذكرنا.
صلاح الدين سر الختم علي
مروي
16 مايو 2013
*منصور الصويم كاتب وروائي سوداني شاب
عضو مؤسس نادي القصة السوداني.
? الأمين العام لنادي القصة السوداني.
عضو اتحاد الكتاب السودانيين.
? عضو رابطة الكتاب السودانيين.
? عضو مؤسس منتدى نيالا الثقافي ? نيالا.
الإصدارات:-
? رواية ذاكرة شرير - ( مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي) الرواية الحائزة على جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي 2005م.
? تخوم الرماد - رواية - إصدارات مكتبة الشريف الأكاديمية 2001م.
? دروب جديدة أفق ثان مجموعة قصصية لمجموعة كتاب ? إصدارات نادي القصة السوداني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.