حينما اعاد العم ابراهيم كل واحد منا نحن الاربعة الى منزله في ذلك اليوم، انا وازدهار ونصر الدين وهيثم ، قررنا نحن الاربعة ان لا تخرج بشارع منزله حتى لا يمارس علينا سلطته في الارجاع وربما حتى نواصل الجري واللعب. ولربما كنا نقول: لطالما استطعنا الفرار من سلطة الامهات فلن يستطيع العم ابراهيم منعنا. ولكن بعد اسبوع من مواصلتنا الخروج بشارع منزل حاج حسن الذي اصبحنا نسلكه في ثقة وبلا خوف من رقيب او نذير ربما لقلة العابرين بتلك الطريق، بعد اسبوعين فقط حل بدكانه واستأجره الشاب انور، واصبح كثيرا ما يجلس امامه، كنا نمر من امامه في ايامنا الاولى ، نراه جالسا في هدوء، ندنو منه في براءة، نحدق في وجهه نعلق على انفه الكبيرة وحواجبه الغزيرة ، وبعض من هالات بدت ملتحمة مع البثور في وجهه، ندنو منه، حتى نكاد نلمس وجهه، نتفرس فيه، ربما بحثا عن جديد فيه يزيد من ضحكتنا ومرحنا. حتى اصبح يعرفنا جميعا، وربما لكانت ستنشأ اواصر صداقة قوية ودائمة بيننا وبينه لولا انه اصبح يزج انفه فيما لا يخصه، ويقف قبالتنا ويسألنا الى اين انتم ذاهبون ؟ لا تذهبوا بعيدا ..!! ارجعوا، العبوا بالقرب من المنازل، امهاتكم سيكونون في قلق عليكم، تبا لهؤلاء...!! من اين سيكون الانطلاق ما دامت كل المنافذ تسد امامنا...؟! يا للعجب ما الفرق بينه وبين الأمهات بل وحتى العم ابراهيم، سنكتشف لنا طريقا اخرى آمنة، سنغير الشارع بثالث جديد ونرتاح من سيطرته هو الآخر، بعدها يفتقد مرورنا به وعبثنا امام دكانته وتحليقنا في وجهه ، يغلق دكانته عصرا، يبدأ في زياراتنا، الواحد تلو الآخر، ويداه مثقلتان بأكياس من الحلوى والبسكويت، يقرع الابواب، يسأل عنا الآباء والأمهات، يطمئن على صحتنا ولا يعلم لما لم يعد يرانا بشارع دكانته، يقول ضاحكا: الاولاد، الحلوين ديل طولوا ما جو بي شارع الدكان، قلت اجي اطمئن عليهم، واحد واحد واشوف الحاصل عليهم شنو، يمد رأسه وهو يراني وقد اختبأت خلف جلباب ابي ورأسي ممدودة وعيناي معلقتان باتجاه الكيس الذي يحمله، يتقدم نحوي ، يسلم على ويمدني ببعض مما يحمل، يشكره ابي وهو يودعه. ذات يوم كنت اجلس على الانترنت اعد بحث الماجستير، سمعت صوت امي يأتيني عاليا وهي تقول: الولد قاعد جنب البيت جات حافلة شالتو واهلو ليهم يومين بفتشوا عليهو ولما سألوا عادل سيد الدكان: ليه ما مسكت الشافع، ليه ما منعتو يركب الحافلة وانت عارف دي ما حافلة الروضة بتاعتو؟ رد عليهم في برود وكأن الامر لا يعنيه وانا الدخلني شنو، انا مدير الروضة ولا انا ابوه؟ مش المفروض يكون و اقف معاهو واحد من ناس البيت لحدي ما يركب ؟ بدا لي صوت امي كأنه قادم من بعيد ارجعني سنوات للوراء شعرت بغصة في حلقي ورغبة بالعودة للزمن الجميل. زمن الحيشان الواسعة والباب الفاتح في الباب، زمن النفاج ، والناس الطيبة، زمن كان يربي فيه الخال والجار. قذفت ببحثي بعيدا وانطلقت نحو الشارع علني اشم فيه بعضا من رائحة عم ابراهيم او علني اجد رجلا يشبه خالد سيد الدكان في طيبته وحسن معاملته، لكنني وجدته خاليا وكئيبا..