تقرير : إبراهيم عربي: جاءت معايدة عيد الفطر المبارك لهذا العام فى كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق تحمل بشريات السلام، إذ لأول مرة تخلو كادقلى من زخات الرصاص، وقد استقبلت وزير الدفاع الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين بالتهليل والتكبير والزغاريد، وهى ذاتها التى استقبلته فى عيد الأضحى الماضى 26 اكتوبر 2012 بالدانات التى أدت لمقتل مواطنين أبرياء ولكنها كانت رسالة قوية تؤكد للوزير انتقال الحرب لمربع آخر علاوة على انها محاولة لإغتياله، إلا أن بشارة السلام ذاتها جاء بها هذه المرة وزير الدفاع ذاته مبشرا وقال إنها توجيهات جاء يحملها من قبل رئيس الجمهورية تؤكد بأن السلام قد «بات وشيكا» بل أصبح «قاب قوسين أو أدنى»، إلا أن والى جنوب كردفان آدم الفكى من جانبه قد استبق الخطوة بإطلاق سراح «68» معتقلا و«5» آخرين موقوفين فى تهمة جريمة قتل وقال الوالى فى حديثه ل«الصحافة» إنهم كل ما لديه من معتقلين بسجونه التى خلت إلا من المحكوم عليهم بجرائم جنائية، وقد جاءت الخطوة استكمالاً لخطوة سابقة إتخذها الوالى فور تسلمه مهام عمله واليا لجنوب كردفان إذ وجه فورا بإطلاق سراح «18» من نساء النوبة معتقلات بسجن الأبيض من بين «31» معتقلة منذ نوفمبر من العام الماضى 2012 وقد شغلت قضيتهن الرأى العام كثيرا بينما تم إطلاق سراح «13» منهن فى حينه، إلا أن الخطوة ذاتها جاءت أيضا إستكمالا لتوجيهات رئيس الجمهورية المشير عمر البشير «إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من الرجال والنساء» تمهيدا لأجواء السلام التى بدت تطل برياحينها على الولاية. إذا من هم هؤلاء المعتقلون؟ وهل ثبت فى حقهم إرتكاب جرم؟ وإلا لماذا ظل هؤلاء طيلة هذه الفترة خلف القضبان؟ ولكن قبل الإجابة على تلك الأسئلة دعونا نتعرف على ملابسات ماحدث فى جنوب كردفان ! لم يأت ذلك من فراغ، فقد وصلت الحكومة والحركة الشعبية «قطاع الشمال» لمرحلة أدركا فيها بأن الحرب فى جنوب كردفان والنيل الأزرق لا يمكن حلها عبر البندقية إلا ب«الحوار والتفاوض»، وهذه فى حد ذاتها جاءت بعد «50» شهرا من الإقتتال الشرس منذ أن اندلعت الحرب الأولى بتاريخ 6/6 /2011 لتتبعها الثانية فى 2 سبتمبر من ذات العام لتعيش المنطقتان فى ظل اجواء مليئة بالشكوك والهواجس والظنون بدأت الحرب فيهما متسعة وشاملة لتنكمش قبل ان تتمدد ثانية فى جنوب كردفان لتهلك الحرث والنسل لتصل لمرحلة شبهها مراقبون بنهاية «صراع الديكة»، إلا أن حالة السلام تلك جاءت أيضا تتويجا لجولات مكوكية لعب فيها الوسيط الأفريقى ثامبو أمبيكى دورا بارزا كما ذهب إليه مراقبون فى حديثهم ل«الصحافة»، إذا كل المؤشرات تقود فى إتجاه السلام، ولذلك جاء تغيير أحمد هارون واليا لجنوب كردفان ليحل مكانه آدم الفكى إيجابا ولم يكن نتيجة إنهزام حسب تأكيدات الحكومة بل عمل مخطط واتجاه قوي جرى التخطيط له داخل أروقة رئاسة الجمهورية لايجاد حل لقضايا السودان من جنوب كردفان والتى تعتبر بؤرة الصراع . كشف المعتقلين شمل «5» من المتهمين في قضية اغتيال رئيس المجلس التشريعى إبراهيم بلندية وزميله فيصل بشير ورفاقهما وهم «عبدالكريم تركي سالم، بابو محمد ادم ابوجلحة، جابر بابو محمد ادم، الفاضل العمدة الطاهر، سليمان محمد عثمان» وقد مضى على اعتقالهم «13» شهرا منذ تاريخ تلك الحادثة المشؤومة فى 6 يوليو 2012 دون التوصل لنتيجة، فيما لازال الإتهام متبادلا بين الحكومة والحركة سيما بعد أن اغتالت الحركة الشاهد الوحيد فى القضية حسب إفادات أعيان المنطقة الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم وقد تم اطلاق سراح هؤلاء بتاريخ 6 أغسطس 2013 لعدم كفاية الأدلة، فيما أطلقت لجنة أمن الولاية سراح «53» من المعتقلين ظلوا فى معتقلاتها منذ بداية تفجر الأزمة بينهم «21» قيادات وكوادر وسيطة بالحركة الشعبية و«12» من المتعاملين بأسواق السنبك وقد شمل الكشف على سبيل المثال لا الحصر «معاوية ابراهيم الازيرق علي، خميس ابراهيم توتو مناي، احمد امين جبريل كافي، ميكائيل عبدالعزيز دقليس، محمد يوسف عيسى عبدالله، عبد الرحيم كمبال غريق ادم، الصادق نور الدين عوض السيد» وتم استكتابهم تعهدات بواسطة رئيس الادارة القانونية ومدير شرطة الولاية وتعهدوا بالالتزام بما ورد فيه وعليه تم اطلاق سراحهم من السجن اعتبارا من 5 أغسطس 3102، فيما تم إطلاق سراح «8» أشخاص من بينهم «3» أطفال ظلوا خلف القضبان «متحفظ عليهم» بسبب جريمة قتل يعود تاريخها لأكثر من عامين تم إطلاق سراحهم أيضا إعتبارا من 5 أغسطس 3102 بعد ان توصل الطرفان «دار بلال وأولاد عبدالله» لاتفاق صلح برعاية زعماء وعشائر الإدارات الاهلية وتحت إشراف لجنة أمن الولاية تمشيا مع روح التسامح القبلي وهم «بابويه حسن الحسنة وبرفقتها طفلان، حاجة عايد العبيد وبرفقتها طفل واحد، الازيرق البدوي الازيرق، خميس البدوي الازيرق، سليمان ضو البيت الازيرق» وهكذا أسدلت حكومة جنوب كردفان الستار على قضية المعتقلين التى ظلت مكان خلاف وانتقاد لأحمد هارون، إلا أن والى الولاية المكلف المهندس آدم الفكى أشار إلى إن تلك الحالة أملتها ظروق وتعقيدات الولاية المجتمعية وقال إنه جاء ليفتح صفحة بيضاء أمام الجميع فاتحا الباب لمزيد من التحاور الأسري والتواصل الإجتماعى، تماشياً مع تباشير عيد الفطر المبارك وبعداً إنسانياً واجتماعيا دعماً للسلام والاستقرار والتنمية بالولاية، موضحاً أن هذه المبادرة جاءت كبادرة حسن نية لفتح صفحة جديدة مع كل مكونات الولاية، فيما كشف وزير الموارد البشرية بالولاية عبد الله التوم عن إعادة «18» شخصا من المفصولين بسبب الحرب لعملهم مع تسليمهم كامل إستحقاقاتهم . إلا أن ما وصلت إليه جنوب كردفان من تعقيدات لا تنفصل ذاتها عن تلكم التعقيدات المجتمعية السياسية والتى إتهم فيها عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ اللواء إبراهيم نايل إيدام «المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية» صراحة بإنهم جزء من الأزمة فى جنوب كردفان وقال فى حديثه ل«الصحافة» إنهما أدخلا مجتمع جنوب كردفان فى «جحر ضب خرب» سيما إنسان جبال النوبة وزاد إنها حالة من التعقيدات المؤلمة وقد ظهرت سلبياتها بإندلاع الكتمة، فأصبح الإبن يقاتل أباه والبنت تقاتل والدتها والأشقاء يقاتلون بعضهم بعضا والخال يقاتل إبن أخته والعكس صحيح، لم تسلم أسرة بالمنطقة من هذه التعقيدات بما فيهم قيادات مركزية بالمؤتمر الوطنى، وصفها والى جنوب كردفان آدم الفكى فى حديثه ل«الصحافة» بإنها «تعقيدات الحياة الجنوب كردفانية»، ويؤكد الوالى بأن الأسرة الواحدة منقسمة فيما بين الحكومة والتمرد. لذا فقد تشابكت الخيوط لدى الأجهزة الأمنية مع تزايد صواريخ التمرد التى إستهدفت مدينة كادقلى فقتلت منهم من قتلت وأصابت منهم نفرا بعاهات، فيما إنتشرت الشائعات لتروج لأنشطة التمرد، لم تنفع معها حالة الرقابة اللصيقة التى لجأت إليها تلك الأجهزة بشتى أنواعها ومن بينها قطع شبكة الاتصالات عن مدينة كادقلى شهرا، إلا أن النتيجة كانت أسوأ مما تتوقعه الحكومة فأصبحت خطوتها تلك حافزا ودافعا للحركة المتمردة لتمضى قدما فى إتجاه زيادة ورفع نسبة تشكك الحكومة فى مواطنيها وبذلك إزدادت الهوة وإتسعت دائرة الهواجس والظنون قبل أن تعتقل الأجهزة الأمنية أكثر من «100» شخص مابين رجل وامرأة ومن بينهن «31» من نساء كادقلى تم اعتقالهن منذ نوفمبر 2012 أغلبهن معلمات وموظفات في الخدمة المدنية وربات بيوت ينتمين لمختلف التيارات السياسية ويشكل المؤتمر الوطنى العضوية الغالبة. إلا أن والى جنوب كردفان دافع بشدة عن الأجهزة الأمنية بالولاية ويقول فى حديثه ل«الصحافة» إن ما ظلت تقوم به كان فى إطار واجبها القومى، فيما تقول رئيسة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان عفاف تاور أنها ليست ضد الإعتقال ولكنها ضد الإعتقال المهين لكرامة الإنسان وتؤكد فى حديثها ل«الصحافة» كما اتفق معها فى الحديث رئيس الحزب القومى الديمقراطى الجديد منير شيخ الدين أن خطوة والى جنوب كردفان وجدت ارتياحاً كبيراً وسط قطاعات أبناء النوبة بالداخل والخارج، فيما أشاد بالموقف كل من اللواء إبراهيم نايل إيدام وأمير إمارة كادقلى محمد رحال والقيادى بالمؤتمر الوطنى جلال تاور كافى والأمين العام للحزب القومى السودانى المتحد وزير الموارد البشرية بالولاية عبد الله التوم الإمام ووزير الإعلام عضو الحركة الشعبية جناح السلام رجب الباشا عمر وكندا غبوش من هيئة علماء السودان واتفق جميعهم فى الرأى بأن جهود الوالي آدم الفكي مكان تقدير وقالوا ان بصماته قد ظهرت واضحة في مسيرة إعادة الولاية سيرتها الأولى، وزادوا عليها بأن هذا التوجه صحيح وسيعود بحلول ناجعة للمشكلة في المنطقة، مؤكدين وقوفهم خلف الفكى لتكملة مشوار السلام ومطالبين أهاليهم بالوقوف معه ودعمه من أجل السلام والاستقرار والتعايش السلمى، ومناشدين حاملى السلاح من أبناء جنوب كردفان الإنحياز إلى خطوات السلام، فيما طالب إيدام رئاسة الجمهورية بأن يقود أبناء النوبة زمام المبادرة والمبادأة لحل المشكلة فى جنوب كردفان، فيما عاد جلال تاور قائلا لا مبرر لأبناء النوبة الوقوف فى صف المتفرجين.