: في شهر رمضان الفضيل، عظيم الشأن ونبيل المقاصد التعبدية والاجتماعية، كان لبرنامج الأستاذ الكبير السر قدور، «أغاني وأغاني»، أثره الطيب فى نفوس الكثيرين من أهل السودان بما قدمه من ترفيه وطرب. فقد أضفى هذا الرجل العملاق الكثير المشتهى مما جادت به عبقريته من ذاكرة الفن السودانى الذى يعشقه بكل مشاعره، لما فيه من الأدب الرفيع الذى يصقل النفس ويطرق الأحاسيس. ومن محاسن ذلك البرنامج أن قدم إلى المشاهد كوكبة من بنات السودان وأبنائه الذين تدثروا بالشجاعة الأدبية ليقدموا أنفسهم إلى المجتمع فنانين مبدعين ناشئين، فأثروا الساحة بروائع ما تغنى به آباؤهم وكبار إخوانهم وأخواتهم، حتى بات الكثير منا كباراً وصغاراً يهرع إلى مشاهدة التلفاز قبل إكمال إفطاره. أكتب هذا ونفسى تفيض بالشكر والثناء لأخي السر قدور، متعه الله بالصحة وراحة الضمير، وإلى تلامذته المرموقين من الجنسين. وأود أن أنتهز هذه السانحة لأهمس فى أذن الأستاذ الجليل السر قدور بهاجس ظل يؤرق خلدي لبعض الوقت. وهو سؤال بريء هدفه المصلحة العامة وليس غير، فحواه عما إذا كان فى جراب السر قدور من مزيد. فقد خيل إليَّ، رغم إعجابي الكثير بما قدم فى «أغانى وأغانى»، أن قطار الفن السودانى قد توقف، فأصبحنا لا نجد غير الاغتراف من مخزون فننا العريق الذى تغنى به السابقون، جيلاً بعد جيل. وقد تساءلت بينى وبين نفسى عما إذا كان بالإمكان تشجيع هؤلاء الشبان المتطلعين إلى الدخول فى رحاب الفن الغنائى، للبحث فى طرق وأساليب جديدة لتطوير الغناء السودانى بإدخال الجديد من اللحن والموسيقى والشعر، على شاكلة ما بدأه الفنان الكبير عبد الرحمن عبد الله والفنان النعام آدم وغيرهما. وفي هذا الصدد أرجو أن أتوجه بالسؤال إلى أخي السر قدور، وهو سيد العارفين فى هذا المصمار، عما إذا كان من الممكن إدخال بعض التغيير فى برنامج «أغاني وأغاني» لكي يعكس الصورة الحقيقية والواقعية للسودانيين على اختلاف مشاربهم وتراثهم المتنوع، ليشعروا بأن ما يعرض فى أجهزة الإعلام هو ملك لهم جميعاً. ويقينى أن مثل هذه الدعوة قد سبقتني إليها نخبة من أبناء وبنات السودان البررة الذين يؤرقهم ما آل إليه السودان من الفرقة والشتات، بل وقد نص دستور السودان الانتقالى لعام 2005م على تزكية وترقية اللغات والفنون الشعبية كلها. فالفن، كما يعلم الجميع، هو أحد المنتديات والمنابر المهمة الهادفة إلى صقل الأنفس للترفع عن الصغائر ثم النظر إلى ما يلملم شتات هذا الشعب لبناء وحدة وطنية قوية متماسكة عبر ما تدخره المجتمعات المتباينة من الثقافات والفنون المنتشرة فى الأرياف والبوادى والمدن. وأتطلع أن ينمو هذا البرنامج «أغانى وأغانى» على نسق البرنامج العربى «فنان العرب» أو البرنامج الأمريكى المماثل له «أميكا تملك المواهب»، حيث يهدف كل منهما إلى سمو الفن من أجل توحيد كلمة ووجدان الشعوب ليعم الخير جميع الناس. وفى هذا المضمار أرى أنه لا بد من تضافر جهود كل الناس، دون استثناء، بدءاً برئاسة الجمهورية وانتهاءً بالعاملين فى كل مرافق الدولة، لشحذ الهمم فى تدوين وتوثيق إبداعيات المجموعات السكانية المختلفة فى كل أرجاء البلاد، ونشير على سبيل المثال فقط إلى الوازا فى النيل الأزرق والطمبور فى الشمال والكسوك فى دارفور والكمبلا فى جبال النوبة والنقارة عند البقارة، وغيرها الكثير مما لا يسع المجال لذكره. وأرى أن تساهم الدولة والمقتدرون من أبناء الشعب بالقدر الوفير من الإمكانات البشرية والمالية لإنجاح هذا المشروع «الوحدة الوطنية عبر الفن السوداني» الذي سوف يتخذ ماضينا وحاضرنا الفني منصةً للوثب إلى رحاب مستقبل مشرق. * أستاذ باحث بالمعاش الخرطوم/7 أغسطس 2013م