: لا جدال في ارتفاع مستوى أسعار السلع والخدمات كافة بالبلاد ، إلا عند أجهزة الحكومة التي لا تفتر من بيع (الموية في حارة السقايين) وإجادة فنون تمويه الرأي العام الذي من عجب وفرط الدهشة علمه ببواطن الأمور على علاتها لجهة اكتوائه بكل سوأتها ومعضلاتها ووقوفه على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية من ترد أقل ما يمكن وصفه به لفظ مزرٍ لاسيما تلكم ذات الارتباط اللصيق بمعاشه ومستوى دخله . ولعل تواصل ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات المطرد يوما إثر آخر حدا بالمواطن البسيط للتآلف مع بعض المصطلحات الاقتصادية العلمية التي إلى زمن قريب كانت مقصورة على الأكاديميين فلم يكن للعامة أدنى إلمام بها أو حتى مجرد السماع عنها من شاكلة التضخم وسعر الصرف وصويحباتهما من المصطلحات العلمية التي ظل يتلببها المسؤولون عن الاقتصاد والماسكون بزمام أمره وتحريك دفته لتبرير الإخفاقات الاقتصادية المتواترة . ولا بأس من الوقوف عند التضخم وسعر الصرف لارتباطهما الوثيق بمستوى الأسعار علوا وهبوطا وإن شاركتهما بعض العوامل الأخرى التي على رأسها الموروث الأخلاقي والقيمي وصحو الضمير في التداول التجاري الذي للأسف الشديد انزوى في ركن قصي بفضل ركلات الجشع وتأصل الطمع في نفوس التجار الذين لم يعد يبالون إلا من رحم ربي من التكسب السريع والربح العالي وإن جاء على حساب المساكين وغلة اليتامى والغلابة من عامة الشعب فلكأني بمعشر التجار قد اختفت من باحتهم قيمة القناعة بالربح القليل ساعدهم في ذلك غياب الرقيب الحكومي تماما ورفع يده عن ما يجري بالأسواق واكتفاؤه بالفرجة على آلة التجار تطحن المساكين وتنهك جيوبهم الخربة، وكلا الطرفين التجار والحكومة يتكئان على حائط سياسة التحرير الاقتصادي التي وجدت فيها الأخيرة مخرجا من تحمل تبعات وفرة السلع والخدمات فاهتبلتها فرصة للتخلص من عنت أعباء جمة كانت في الماضي ترهقها وتثقل كاهلها بيد أنها في نهاية المطاف تخفف عن مواطنيها عبء الحياة . بينما لم يتوان التجار في استغلال سياسة التحرير الاقتصادي التي تقوم على آلية السوق المرتكزة على مستوى العرض والطلب محددا لأسعار السلع والخدمات في ظل وجود رقيب حكومي أكرر رقيب لا يتدخل إلا عند الحاجة لإعادة من يخرج عن دائرة اللعب النظيف من التجار أو مقدمي الخدمات إلى جادة الحق . والافتقار إلى الرقيب الحكومي لعمري سر التشوه الذي التصق بسياسة التحرير فحولها إلى مسخ من التحرر والانفلات الاقتصادي يصعب لجمه وكبح جماحه ب(أخوي وأخوك) لجهة استئساد كثر من بني جلدة الطمع وأبناء الجشع لا يروقهم الرجوع إلى مربع (سنة أولى فقر ومعاناة ) بعد التمرغ فيما فيه من نعيم يظنونه وهما مقيما فتلكم الفئة الباغية من التجار الذين لا يرعون في مواطن ضعفا ولا وضعا لا يمكن الحد من خطورة صنيعهم المفت في عضد القيم والأخلاق قبل النسيج الاقتصادي إلا عبر إنشاء وإقامة آلية جهاز رقابي صارم يذب عن المواطنين و يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التغول على حقوقهم يكون عنده كل شيء بقدر معلوم تجسيدا لفقه لا ضرر ولا ضرار حفظا للموازين . وبالرجوع للمسببات الاقتصادية التي اتخذت ذريعة لرفع الأسعار التي على رأسها التضخم وسعر صرف العملة الوطنية يجد المرء أن أكثر ما يحز في النفس تساهل الحكومة وعدم اكتراث أجهزتها المعنية لما آل إليه حال مؤشري التضخم والسعر صرف من أوضاع وأحوال مبكية بل مدمية للقلوب إذ لا يلوح في الأفق ما ينبئ بتحسن الأوضاع جراء انتهاج سياسة نقدية أو مالية من قبل البنك المركزي ووزارة المالية للحد من ارتفاع معدل التضخم المحلي أو المستورد والعمل على زيادة الإنتاج المحلي عبر الالتفات للمشاريع الزراعية بشقيها النباتي والحيواني والارتقاء بالجانب الصناعي بغية تقليل الواردات وحفز الصادرات ببذل وبسط كل المقومات التي من شأنها الوصول إلى تلكم الغايات السامية التي إن تمت لما احتاج مسؤول في المستقبل القريب البحث عن مبررات للإخفاق ليبقى التساؤل المهم في هذا الجانب ما المانع من أن تبدي الحكومة وأجهزتها المعنية جدية ملموسة في هذا الجانب؟ فهل يروقها رؤية مواطنيها تحت نيران الأسواق ولهيب الأسعار يلتهم جيوبهم ويبدد طاقاتهم التي تزهق في سبيل الإيفاء بمتطلبات الحياة الأساسية لا الطمع في مراقي الترف والرفاه ! فالأسواق والحصول على الخدمات أضحيا جحيما لا يطاق لا يقترب من طلبهما إلا مضطر فمن يحمي المواطنين من تغولات أصحاب المركبات العامة الذين لا تتوانى الغالبية العظمى منهم من انتهاز غياب الرقيب الحكومي عليهم فيطلبون تعرفة ما أنزلت بها الجهات الرسمية من سلطان دون أن يجدوا من يقول لهم (تلت التلاتة كم) وأن أكثر ما يحز في النفس ويضغط على شغاف القلب بل مكمنه تآلف الغالبية العظمى من المواطنين على استغلال حاجتهم من الآخرين فغدوا يهمون بسداد ما يطلب دون إبداء أدنى موجة من الاحتجاج أو التذمر على تنكب جادة المحدد للخدمة بل لم يقف الأمر عند حد خنوعهم بل تعداه إلى مرحلة الدفاع عن المعتدي عليهم بإيجاد مبررات واهية لما ارتآه واجترحه من زيادة غير مشروعة . وليس التعديات بقاصرة على تعرفة المواصلات فحسب بل شملت كل مناحي الحياة فما إن انصرمت عطلة عيد الفطر المبارك وعاودت الحياة مجرياتها إلا وتفاجأ الجميع بارتفاع كافة السلع والخدمات بلا أدنى مبرر مقبول بل ما صارت إليه يعكس تناقضا واضحا لا لبس فيه بين ما أطلقه الجهاز المركزي للإحصاء من تراجع معدل التضخم وثالثة الأثافي التي وضعت الأسعار على جمر (تهبو الريح ) ارتفاع مستوى هطول الأمطار والسيول التي اجتاحت أجزاء واسعة من البلاد . ومضة إشراق : أسمى آيات الشكر والإجلال يجب أن تساق إلى شرطة المرور لوجه الله إحقاقا للحق وهي ترسل أفرادها وتنشر ضباطها وتوزع منسوبيها على طول الطرق القومية قبيل وإبان وبعد عطلة عيد الفطر المبارك لضمان سلامة متخذي الطرق والاطمئنان على وصولهم إلى ذويهم على أكف الراحة . فمظهر شرطي المرور على الطرق ينم عن إحساس الإدارة بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها فلهم منا الشكر وجزيل العرفان، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله .