٭ ألفين توفلر صنو صموئيل فوكوياما، لكنه على الضفة الاخرى، الضفة الأكثر اخضرارا واشراقا وتفاؤلا. ٭ توفلر وفوكوياما كلاهما نظر إلى الكوب، فقبض توفلر على النصف الملئ، اما فوكوياما فما رأى سوى النصف الفارغ. ٭ ولأسباب مركبة أقواها الدوافع (النفسية) احتفى العالم بآراء فوكوياما، شغلت باله فأعارها أذنا، انجذب اليها او ساجلها بذات الطريقة (الفوكوياماية). ولكن في الاتجاه المضاد، فباتت محض رد فعل. ٭ أما أفكار توفلر، ومع استحسانها من الغالبية والعامة، لم تطف إلى السطح. وبقيت في القاع بعيدة عن الموجات والتيارات وردود الافعال. ٭ ما أودعه فوكوياما في (نهاية التأريخ والانسان الأخير) كاد يصبح مرجعا متفقاً عليه في قضايا الحضارة والسياسة، في حين بقي ما أودعه توفلر في مؤلفاته (الموجة الثالثة) و(صدمة المستقبل) و(انزياح السلطة) أقرب الى تأثير قصيدة الشعر ونغمة الموسيقى، تنقر في القلب لكنها لا تترك أثراً في العقل. ٭ ويبدو أن العالم والعالمين قد بلغ بهم السأم والقلق والتشاؤم مبلغا، فما عادوا ينظرون الى النصف الملئ، يستهويهم النصف الفارغ ويستوعبهم ويمنح سوء ظنهم قدرة على هتك أستار المستقبل ورؤية أشباحه وظلاله وظلمته الداكنة، في حين أن المستقبل يزينه الضياء. والنهار كله كامن في الليل. ٭ يختبيء البستان في الوردة.. لكن من يرشد النظرة الضيقة الى اتساع البستان في مركز الوردة؟!. ٭ في (نهاية التأريخ) احادية قطعية وثقافة طاغية ونمط سلوك اوحد، الكل في الهامش. والمركز هو الآمر والناهي. ونحن العرب والافارقة والعالم الثالث طرف مشلول الارادة، يندفع بقوة غريزية الى خارج التأريخ. ٭ في (نهاية التأريخ) يبدو فوكوياما مجرد (دلال) و(مروج سلعة بائرة) و(ناقر طبل) ينادي على البضاعة الاميركية ومخلفات العصر الصناعي (تعالوا علينا جاي) ويزعم ان بضاعته (البيضاء) هي الاجود والاحسن ومنقطعة النظير. ولا ينبغي أن يكون لها مثيل او منافس. ٭ على عكس توفلر الذي يفرد لشتى الأعراق والألوان والقوميات والاثنيات والثقافات، مساحات (معتبرة) للاسهام في حضارة العالم وتشكلها وحصادها الانتاجي. ٭ ينظر توفلر الى عالم جديد، تلعب فيه الناظمات الآلية والاقمار الاصطناعية دورا حاسما، في التحولات. وتسهم فيه الثقافات المحلية بقوة الارادة في رسم خارطة الانسان. ٭ ينظر توفلر بعين صافية الى ما اسماه بالصعود المدهش لقوة العرب المالية والسياسية (بغض النظر عن أوضاعهم الراهنة)، مما يعني ان اقصاء العرب من التأريخ مجرد فكرة ساذجة و(أسطورة) مرعبة تصلح لبذر الخوف في النفوس، لكنها لا تملك الكثير من مقومات (القصة الواقعية). ٭ ويضيف توفلر فضلاً عن العرب، اليابان وتايوان وهونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وكل طاقم النمور الآسيوية. ٭ أكثر من شعب، ان لم يكن كل الشعوب، لها حصتها في توزيع السلطة في العالم. وفي إثراء حضارته واغناء تجاربه بالتنوع والتمايز. وليس فقط قطبية واحدة ونمطاً وسلوكاً أوحد وحضارة تبتلع ما عداها. ٭ عند فوكوياما في (نهاية التأريخ) العالم غريب وعجيب ومثير ومدعاة للتقزز والقلق.. وعند توفلر في (الموجة الثالثة) و(صدمة المستقبل) و(انزياح السلطة) يبدو الآتي أكثر تماسكاً من هشاشة الواقع وفجاجته وفظاعته. ٭ ويبدو أن السبب في ذلك، أن فوكوياما لم ير من الكوب إلا النصف الفارغ، في حين أمعن توفلر النظر في النصف الملئ. ٭ وبعيداً عن توفلر وفوكاياما، يبقى النظر إلى النصف الملئ من الكوب، مهم جداً في التعامل مع الحياة. ٭ وتزداد هذه النظرة، أهمية، في زمن الكوارث والمحن والابتلاءات. ٭ فمهما عظمت (المصيبة)، ثمة ضوء أخضر في آخر النفق، وثمة طوق نجاة. ٭ يختبئ البستان في الوردة، والمستقبل يزينه الضياء، والنهار كله كامن في الليل. ٭ وبكره أحلى.