٭ شهدت صالة التحرير، أمس مناقشات ومفاكرات و(مناكفات)، استمرت من بداية اجتماع الصباح، حتى نهاية الدوام (إن كان ثمة نهاية لدوام)! ٭ المناقشات دارت، حول: إلى أين ينظر الصحافي: إلى النصف الفارغ أم الملآن من الكوب؟! ٭ ومما جعل المناقشات (ساخنة) ومثمرة، أن لكلٍ حيثياته، ومسوغه، ومرجعيته، وحججه، وأفانيده، والأجمل، أن الفريقين نزلا، في خاتمة المطاف. أن المطلوب النظر إلى كلا النصفين معاً. ٭ قالوا: لا فوكوياما ولا توفلر! وما توفلر وفوكوياما إلا مثالان لمن اكتفى بالنظر إلى نصف واحد، من الكوب دون الآخر. ٭ توفلر وفوكوياما كلاهما نظر إلى الكوب، فقبض توفلر على النصف الملآن، أما فوكاياما فما رأى سوى النصف الفارغ. ٭ ولأسباب مركبة، أقواها الدوافع، (النفسية) احتفى العالم بآراء فوكوياما.. شغلت باله فأعارها أذناً، انجذب إليها أو ساجلها بذات الطريقة (الفوكويامية) ولكن في الإتجاه المضاد، فباتت محض رد فعل. ٭ أما أفكار توفلر مع استحسانها من الغالبية والعامة، لم تطفُ إلى السطح، وبقيت في العمق بعيدة عن الموجات والتيارات وردود الأفعال. ٭ ما أودعه فوكوياما في (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) كاد أن يصبح مرجعاً متفقاً عليه في قضايا الحضارة والسياسة، في حين بقى ما أودعه توفلر في مؤلفاته (الموجة الثالثة) و(صدمة المستقبل) و(إنزياح السلطة): أقرب إلى تأثير قصيدة الشعر ونغمة الموسيقى، تنقر في القلب لكنها لا تترك أثراً في العقل. ٭ ويبدو أن العالم والعالمين قد بلغ بهم السأم والقلق والتشاؤم مبلغاً، فما عادوا ينظرون إلى النصف الملآن.. يستهويهم النصف الفارغ ويستوعبهم ويمنح سوء ظنهم قدرة على هتك أستار المستقبل ورؤية أشباحه وظلاله وظلمته الداكنة، في حين أن المستقبل يزينه الضياء، و(النهار كله كامن في الليل). ٭ يختبيء البستان في الوردة.. لكن من يرشد النظرة الضيقة إلى إتساع البستان في بذرة الوردة؟! ٭ في نهاية التاريخ أحادية قطبية، وثقافة طاغية، ونمط سلوك أوحد، الكل في الهامش والمركز هو الآمر والناهي. ٭ ونحن العرب والأفارقة والعالم الثالث، طرف مشلول الإرادة يندفع بقوة غريزية إلى خارج التاريخ. ٭ في (نهاية التاريخ) يبدو فوكوياما مجرد (دلال) و(مروِّج) و(ناقر طبل) ينادي على البضاعة الأميركية ومخلفات العصر الصناعي، ويزعم أن بضاعته (البيضاء) هي الأجود والأحسن ولا مثيل لها ولا ينبغي أن يكون لها مثيل. ٭ على عكس توفلر الذي يفرد لشتى الأعراق والقوميات والأثنيات والثقافات مساحات (معتبرة) للإسهام في حضارة العالم وتشكلها وحصادها الإنتاجي. ٭ ينظر توفلر إلى عالم جديد تلعب فيه الناظمات الآلية والأقمار الاصطناعية دوراً حاسماً في التحولات، وتسهم فيه الثقافات المحلية بقوة الإرادة في رسم خارطة الإنسان. ٭ ينظر توفلر بعين صافية إلى ما أسماه بالصعود المدهش لقوة العرب المالية والسياسية (بغض النظر عن أحوالهم السياسية الراهنة) مما يعني أن إقصاء العرب من التاريخ مجرد فكرة ساذجة، و(أسطورة) مرعبة تصلح لبذر الخوف في النفس لكنها لا تملك الكثير من مقومات (القصة الواقعية). ٭ ويرى توفلر فضلاً عن العرب، يمكن إضافة كل من اليابان وتايوان وهونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وكل طاقم النمور الآسيوية. ٭ أكثر من شعب.. إن لم تكن كل الشعوب.. لها حصتها في توزيع السلطة في العالم، وفي إثراء حضارته وإغناء تجاربه بالتنوع والتمايز، ليس فقط قطبية واحدة ونمط سلوك أوحد وحضارة تبتلع ما عداها. ٭ عند فوكوياما في نهاية التاريخ، العالم غريب وعجيب ومثير ومدعاة للتقزز والقلق.. وعند توفلر (الموجة الثالثة) و(صدمة المستقبل) (إنزياح السلطة) تبدو صورة المستقبل أكثر تماسكاً من هشاشة الواقع وفجاجته وفظاظته. ٭ وعند، محرري (الصحافة) أن لا فوكوياما ولا توفلر كان على الحق. ٭ فقط أن تمشي (معتدل القامة)!! ٭ قال مريد البرغوثي: (منذ رموا في ركبتها ست رصاصات وحليمة تعرج تعرج إن ذهبت لتبيع الخضرة في السوق تعرج إن عادت للبيت تعرج إن ركضت بالطفل المجروح إلى قبو الدكتور السري تعرج إن ذهبت لتذوق الملح على طبختها تعرج إن جلبت حجراً آخر للمتراس المبني على استعجال تعرج تحت دخان الغاز ودكدكة الرشات وتميل بجذع مكدود تحت عصي التحقيق يا الله!! من يمشي معتدل القامة وصحيح الخطوة مثل حليمة) ٭ يا الله من يمشي معتدل القامة وصحيح الخطوة مثل (تيم الصحافة)!!