إذا كانت أحاديث الأمس واليوم تدور حول انهيار سوق المواسير بالفاشر، وعموم دارفور، فإن حديث الغد ربما أصبح يدور حول مواسير المغتربين، الذين دخلوا اللعبة مدفوعين بظروف اقتصادية قاسية، ومن أولئك من ركب موجة ما يعرف ب «الكسر»، حيث يذهب المغترب في إجازة طبيعية إلى السودان، وقبل أن تنتهي تكون الريالات والدولارات أصبحت كالخيال أحلام، حينها يسارع بطرق كل الأبواب للحصول على المال وبطبيعة الحال الصيادون المهرة على قفا من يشيل!!.. فتعرض عليه صفقة وهو يوافق عليها مغمض العينين، ومن بين هؤلاء من اشترى سيارات بكاسي من مختلف الموديلات، خاصة موديلات «81-83» وهذه تحديدا يعشقها أهلنا في الجزيرة، حيث يشتري المغترب البوكسي بشيك مؤجل أو أي ضمان آخر لمدة عام، بخمسة وثلاثين مليون جنيه بالقديم مثلا، في حين سعره الحقيقي في السوق بأقل من عشرين مليون جنيه، ليقوم ببيعه في الحال بثلاثة عشرة مليوناً، ليبيعه الآخر بشيك لمدة زمنية يتفق عليها بسعر خيالي، وهكذا تمضي القصة.. كما هو حال الفاشر، ويتم تدوير البوكسي الذي يتقلب بين ليلة وضحاها بين عدة أشخاص. وقد انتعش هذا السوق في السنوات الأخيرة بصورة لافتة، حتى أصبح هناك أشخاص يبدعون في هذا العمل، ولا يسعون لغيره، ودائما يستقبلون معشر المغتربين بالأحضان، وعندما يعجز المغترب، عن السداد في الوقت المحدد، يتم رفع اجل الدفع بزيادة إضافية.. وعندما يبلغ الأمر أشده يختفي المغترب او يغير موقع عمله واتصالاته، لتبقى القضية معلقة لحين ظهوره الذي ربما يطول في ظل ديون تحاصره ولا يعرف سبيلا لسدادها!.. بينما تعاني أسرته مرارة عدم الاستقرار إن كانت معه في ارض الاغتراب، أو تنهشها النظرات الساخطة داخل الوطن. وأزمة المغتربين لم تتوقف عند سيارات البكاسي، وانما تجاوزتها إلى الاتجار بالأراضي والمنازل وفي جميع مدن السودان، وبذات الفهم بحيث تُشترى أراضٍ أو منازل تغير أسعارها الحقيقية زيادة او نقصاناً بحسب الحاجة، وتدور القصة خارج سياج القانون، لتشكل في نهاية المطاف قضية أخرى تضاف الى قضايا بلادنا المعقدة. والآن يمكن للجهات المعنية أن تحاصر مواسير المغتربين قبل أن تنفجر، وتصبح عصية الحلول، بحيث يتم وضع لوائح إضافية تنظم عملية البيع والشراء، بحيث تتحقق الغاية المنشودة بالتأكد من أن عمليات البيع والشراء طبيعية.. فلا يعقل أن تُباع سيَّارة في اليوم الواحدة عدة مرات، أو تُجرى عمليات تسجيل أرض أو منزل أو مزرعة الخ.. عدة مرات في غضون فترة وجيزة.. وتبقى القضية خطيرة إن لم يتم تداركها اليوم قبل الغد.