ورغم هذا الحجم الكبير من المياه إلاّ أن يوغندا تواجه تحديات التباينات الزمانية «هطول معظم الأمطار فى أشهر معينة من السنة»، والمكانية «هطول معظم الأمطار فى مناطق معينة أكثر من غيرها». وتعاني يوغندا كذلك من تداعيات التغييرات المناخية التى تنتج عنها فيضاناتٌ فى بعض السنوات، وجفافٌ حاد فى سنوات أخرى. هذا بإلإضافة إلى الزيادة السكانية المطّردة فى يوغندا خصوصاً خلال السنوات العشرين الماضية التى نتج عنها أن نصف سكان يوغندا الآن تحت سن الثامنة عشرة. ونسبةً لظروفها الاقتصادية والأمنية فإن أقل من 20% من سكان يوغندا لديهم خدمات مياه، وحوالى 7% فقط لديهم خدمات كهرباء، وتعيش الغالبية العظمى منهم فى كمبالا العاصمة. «6» وتشكّلت أولى ملامح برنامج يوغندا لاستغلال مياه بحيرة فكتوريا والنيل الأبيض «نيل فكتوريا ونيل البرت» فى توليد الطاقة الكهربائية فى أواخر أربعينيات القرن الماضى عندما كانت يوغندا مستعمرةً بريطانية. ووقتها قرّرت الإدارة البريطانية فى يوغندا الاستفادة من مجموعة الشلالات التى تقع فى نيل فكتوريا عند خروجه من بحيرة فكتوريا لتوليد الطاقة الكهربائية من انسياب المياه عبر هذه الشلالات بدون الحاجة إلى تخزين للمياه، مما سيُقلّل التكلفة بصورةٍ كبيرة. وقد أشارت بعض الدراسات المبدئية إلى أنّ الطاقة المتاحة ليوغندا من منظومة النيل الأبيض تصل إلى حوالى «8.000» ميقاواط. ودخلت الإدارة البريطانية فى يوغندا فى مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع مصر بدايةً في عام 1949م تضمّنت موافقة مصر تحت شروط معيّنة على قيام أول مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه النيل الأبيض فى يوغندا. وكان أول تلك المشروعات هو مشروع سدّ شلالات أوين لتوليد الطاقة الكهربائية. ويقع المشروع قرب مدينة جِينجا عند مخرج نيل فكتوريا من البحيرة، وقد تمّ التخطيط له ليُولِّد حوالى «180» ميقاواط من الطاقة الكهربائية لاستعمالها فى يوغندا وتصدير الفائض منها إلى كينيا وتنجانيقا. وتخوّفت الإدارة البريطانية من اعتراض مصر على مشروع سدّ شلالات أوين لتوليد الطاقة الكهربائية، بحجّة أن هذه المشروع قد يُسبّب ضرراً لمصر بأن يُقلّل كميات المياه الواردة لمصر، أو يتدخّل فى وقت وصولها هناك، كما تنصُّ اتفاقية مياه النيل لعام 1929م، وكانت بريطانيا نفسها قد وقّعت على تلك الاتفاقية مع مصر بالنيابة عن مستعمراتها فى شرق إفريقيا «يوغندا وكينيا وتنجانيقا»، بالإضافة إلى السودان. ولهذه الأسباب فقد بدأت بريطانيا مفاوضاتٍ مكثّفة مع مصر حول المشروع فى نهاية الأربعينيات ونتج عن هذه المفاوضات التوقيع عام 1949 والأعوام التالية على ثلاث اتفاقيات يمكن تلخيص مضمونها فى الآتى: أولاً: بما أن المشروع سوف يُغرِق شلالات ريبون التى كانت تنظّم بشكلٍ طبيعىٍ انسياب مياه بحيرة فكتوريا إلى نيل فكتوريا فهذا يعنى أن المشروع قد حوّل بحيرة فكتوريا إلى مستودعٍ للمياه. وعليه فقد طلبت مصر ووافقت بريطانيا على رفع مستوى البحيرة لزيادة مخزون المياه فيها. ثانياً: وافقت مصر على دفع حوالى مليون جنيه استرلينى تعويضاتٍ للمجموعات المتضرّرة من ارتفاع منسوب مياه البحيرة. وقد شمل ذلك القرار المجموعات المتأثرة ليس فقط فى يوغندا بل فى كينيا وتنجانيقا أيضاً. ثالثاً: بما أنه لم يعد هناك انسيابٌ طبيعى للبحيرة فى نيل فكتوريا بعد إغراق شلالات ريبون، فقد اتفق الطرفان على معادلة جديدة لانسياب المياه تربط بين معدّل المياه فى البحيرة والكميات التى يمكن السماح بتدفقها فى نيل فكتوريا. رابعاً: لمراقبة تنفيذ هذه الاتفاقيات وافقت بريطانيا بالنيابة عن يوغندا على وجود مهندسين مصريين بصفة دائمة فى مدينة جِينجا. وقد شملت مهامهم تحت هذه الاتفاقيات مراقبة بناء سد أوين، والإشراف على تطبيق المعادلة الخاصة بتدفق المياه من بحيرة فكتوريا إلى نيل فكتوريا، وجمع المعلومات المتعلّقة بالمسح المائى لبحيرة فكتوريا. وقد التزمت الإدارة البريطانية فى يوغندا بتسهيل مهام هؤلاء المهندسين المصريين. وعلى ضوء هذه الاتفاقيات بدأ العمل فى بناء سد أوين فى عام 1949م واكتمل فى عام 1953م ليولّد حوالى «150» ميقاواط من الكهرباء استُعمِل جُلّها فى يوغندا وتمّ تصدير بعضها إلى كلٍ من كينيا وتنجانيقا. وتدهور الوضع فى السد ومحطّة توليد الكهرباء إبان فترة حكم الرئيس عيدى أمين وفترة الحروبات الداخلية، ولكن تمّت إعادة تأهيل السد والمحطّة فى ثمانينيات القرن الماضى، وارتفع معدل الطاقة الكهربائية المُولّدة إلى «180» ميقاواط بعد التأهيل الثانى، وتمّت إعادة تسمية المشروع ب «محطّة نالوبالى للطاقة الكهربائية». «7» ولكن المتعلمين والسياسيين اليوغنديين لم يعترفوا بالاتفاقيات مع مصر التي وقّعتها بريطانيا بالنيابة عنهم، ولم يرحبوا بوجود هؤلاء المهندسين المصريين في يوغندا بعد استقلالها، ورأوا فيه انتقاصاً لسيادة يوغندا. وهذا هو من الأسباب الرئيسة التي دفعت يوغندا للتوقيع على اتفاقية عنتبي لحوض النيل في 20 مايو عام 2010م، ويُتوقع أن تكون يوغندا الدولة الثانية التي ستصادق على الاتفاقية بعد إثيوبيا التي صادقت عليها في 13 يونيو عام 2013م. وسوف نواصل في المقال الثاني مواصلة نقاش هذه المسألة والسدود الأخرى التي بنتها وتنوي يوغندا بناءها على النيل الأبيض. وسوف نشرح لماذا لن تكون هناك تأثيراتٌ سلبية من هذه السدود على السودان، ولماذا تفرض هذه السدود على السودان تغيير موقفه من اتفاقية عنتبي لحوض النيل.