عقيد شرطة:محمد علي عبد الجابر: ٭ الشعوب التي حظيت بلمسات الحضارة والإنفتاح مبكراً عمدت الى توثيق حياتها في كل المجالات بأدوات التوثيق المعروفة من سينما ومسرح وصحافة وغيرها، وذلك لمعرفتها بقيمة التوثيق وقيمة الانتاج الفكري والانساني الذي لا يجب أن يذهب هباء ويندثر ويطويه النسيان، والتجربة الانسانية دائماً محكومة بظروف الزمان والمكان، وفيها تعبير عن مراحل بكل نجاحاتها وإخفاقاتها. ولأن إدراك قيمة التوثيق مرتبط بعملية التعليم والوعي العام في المجتمع ومؤثرات أخرى كثيرة، فإن التوثيق لم يكن هماً مجتمعياً في بواكير دولة السودان الحديثة التي بدأت مع الغزو التركي، إلا في إطار ضيق من خلال ما حفظته دار الوثائق المركزية وبعض أجهزة الإعلام وعلى رأسها الاذاعة السودانية وبعض الجهود الفردية، وهذا لا يعني بأية حال من الأحوال أن المجتمع اسوداني لم يكن صاحب مبادرات في السعي نحو التميز والإعلاء من قيمه خصوصيته، من خلال ذاكرته وممارسته وموروثاته الثقافية ففي هذه الموروثات ميل واضح نحو التميز والخصوصية لا تخطئه العين، فالمجتمعات البدوية الريفية ومجتمعات البادية كانت ومازالت تعرف وتمارس (وسم البهائم) بهدف منع الاختلاط في المراعي وتفادي جرائم السرقات، وظلت كل قبيلة تعتز وتفتخر بالوسم الخاص بها. وجاءت شلوخ النساء بهذا الفهم فضلاً عن إضفاء البُعد الجمالي للمرأة، ولأن ديناميكية الحياة وطبيعة الأشياء التطور والتقدم للإمام، إلا أن هذا التطور لا يأتي من فراغ بل ينطلق من مرجعيات أصيلة، في التجربة الانسانية كما أسلفنا، وبالطبع فإن هذا الحراك الاجتماعي يصطحب معه الزيادة السكانية المضطردة التي تجبر المعنيين على تطوير أدوات الضبط الاجتماعي وتوسيع مواعين الإحصاء لتقديم الخدمات، فضلاً عن أن انتشار التعليم وزيادة الوعي العام تجعل الانسان ميالا للسلوك المدني والتعاطي الحضاري مع الحياة، ومن هنا جاء التفكير بالأخذ بأسباب الرقي والمواكبة والسباق في مضمار العالم من حولنا، ففي عالم اليوم ليس هناك مكان للتفكير العشوائي والتقديرات التي تقوم على العاطفة والنوايا الحسنة، فالسعي لتضييق نسبة الخطأ في تقديرات البشر حولنا، ففي عالم اليوم ليس هناك مكان للتفكير العشوائي و،التقديرات التي تقوم على العاطفة والنوايا الحسنة، فالسعي لتضييق نسبة الخطأ في تقديرات البشر والسعي لإعلاء قيمة العلمية في خطط التنمية وسلوك البشر، كلها دواعٍ مُلحة لمشروع السجل المدني كأداءة من أدوات الهوية الوطنية، والتدرج نحو التمدن في اسلوب الحياة وممارستها بعيداً عن التعقيدات التي تثيرها حياة (الروكه) واللامبالاة والعاطفة السودانية المعروفة التي تتمدد أكثر من اللزوم حتى في اشيائنا الرسمية، بل هى السبب في تعطيل كثير من مصالحنا وتعاملاتنا، والدولة قد أحسنت التعاطي مع أمر السجل المدني بأن جعلته مشروع الدولة الاستراتيجي ورصدت الميزانيات لهذا المشروع الوطني الكبير، وبذلت إدارة السجل المدني مافي وسعها للتبشير بهذا الأمر ومازالت تبذل الكثير، ومازالت الاشارات الاعلامية تترى. بقى لإستكمال دورة التفاعل أن يتعاطى المواطن مع قضية السجل المدني بالحس الوطني العالي ويبادر بالحضور لمراكز التسجيل وأن يولي أمر التسجيل (نفسا) وطنيا. وأن تبادر كذلك تجمعات الشباب في الأندية الثقافية والرياضية وكل منظمات المجتمع المدني وكافة شرائح المجتمع وأن تتفاعل مع الأمر بمسؤولية وحس وطني عالي يؤكد قيم النفير (والحوبة) عند هذا الشعب الأبي المعروف بالمروءة والنجدة. والله من وراء القصد