ود مدني: بدر الدين عمر: اجترار ذكريات الماضي وعرضها على سينما الواقع بات منهجاً لمواطني الجزيرة الذين يسوقهم حنين جارف نحو الأمس الذي كانت فيه الولاية تضج ابداعاً وتفيض انتاجاً، واليوم لم تعد الجزيرة وحاضرتها الباذخة ود مدني كما كانت، فكل شيء لم يعد في مكانه السابق بعد أن زحف التردي والتراجع على تفاصيل الحياة خاصة الثقافية. وود مدني التي كانت تتغذى ثقافة وتتنفس فناً وتمشي وتفيض إبداعاً، لم تعد كذلك، وهكذا يشير المشهد الثقافي بالولاية عامة وقلبه النابض المتمثل في ود مدني خاصة، فالليالي التي كانت مترعة بالفنون والجمال، باتت كالحة السواد بعد أن أسدلت المسارح والمنتديات الستار على الحركة الثقافية، لأسباب ليس من بينها بكل تأكيد انعدام المواهب والمبدعين، ويتحسر المواطنون والمبدعون على الجمود الذي اصاب الحركة الثقافية بو دمدني التي كانت تنافس ام درمان بل وتتفوق عليها وهي ترفد الفن السوداني بعمالقة علي شاكلة الكاشف ومحمد الامين وابو عركي وغيرهم من المبدعين، ووصل الحال بالثقافة والفنون في ود مدني الى ان تحول النشاط المكثف الذي كان يحتضنه مسرح الجزيرة الى جلسات تحت ظلال الاشجار، واشهر هذه المنتديات النهارية يقع جوار السينما الوطنية حيث يلتقي المبدعون واهل الثقافة لا ليقدموا ابداعاتهم بل ليتحسروا على ماضٍ وفرت فيه الحكومات المتعاقبة كل أدوات النجاح ومسرح الجزيرة الذي كان يستقبل عروضاً مسرحية وفنية بلا نقطاع، وذات المسرح الذي غنت على خشبته كوكب الشرق وغيرها من مبدعين بات خارج الخدمة، وكذا المسارح الاخرى والمنتديات باستثناء منتدى الخريجين الذي مازال ينبض بالحياة. فما الذي أصاب الحركة الثقافية والفنية بالجزيرة وحاضرتها ود مدني؟ ويجيب عضو منتدى نادي الخريجين فيصل مكي مشيراً الى ان تدهور مشروع الجزيرة القى ظلاله السالبة على مجمل المشهد الثقافي والاجتماعي بالجزيرة، وقال إن الموظفين والعمال في الماضي كانوا يتمتعون بوضع مادي مستقر، وكانت لهم إسهامات واضحة تجاه الحركة الثقافية. ويرى فيصل ان تردي اوضاعهم الاقتصادية بسبب انهيار المشروع جعلهم يلهثون وراء توفير لقمة العيش وتركوا الثقافة والفنون، مبدياً حسرته على توقف النشاط الثقافي بالجزيرة، وقال إن الثقافة منشط حياتي مهم ولا بد ان يجد الاهتمام. ويشير رئيس اتحاد الفنانين بالجزيرة المطرب عباس جزيرة الى غياب الاهتمام والدعم الحكومي، معتبراً ان الثقافة والفنون في الولاية تأثرت سلباً بتركيز حكومة الولاية على السياسية اكثر من العمل الابداعي الذي يهذب الروح ويغذيها، وقال إن تميز انسان الجزيرة يعود الى الدور الكبير الذي لعبته الثقافة في تشكيل وجدانه، مبدياً حسرته على الجمود الذي أصاب ود مدني، وقال إنهم باتوا يجترون فقط ذكريات الزمن الجميل وصاروا لا يمتلكون القدرة على العطاء بسبب الظروف الراهنة. ويبدي مواطن من السوريبة التقيته بسوق ود مدني الكبير يدعى التوم سليمان، حسرته على التدهور المريع الذي أصاب الفنون والثقافة في ود مدني والجزيرة. وقال إن دور المسرح تراجع ولم يعد يذكر، بل حتى أن الكثير من المسارح ربما تشهد في العام فعالية ثقافية واحدة، وقال إن المقارنة أصبحت معدومة بين العاصمة وود مدني في الثقافة، رغم أن الأخيرة كانت عاصمة الثقافة الحقيقية في البلاد.