* ما زلنا بعيدين عن فهم واقعنا * على المبدع أنْ يتروى ويعيد تقويم ذائقته الجمالية من حين لآخر الأديب والقاص أحمد الفضل أحمد يُشكل جسراً مفعماً بالرؤى النافذة إلى رحم الحياة حيث احتكت قصصه بالإنسان البسيط شارحة همومه وطموحاته المشروعة وتحس من خلال شخوصه بالحيوية والديناميكية.. ونحن إذ نلتقي به على رصيف (تيّارات ثقافية)، نستل منه البوح... فإلى ما أفاد به. * أستاذ أحمد عاصمة الجزيرة مدني كانت تمور بمناشط المنتديات الأدبية والأداء المسرحي ماذا دهاها؟ للجزيرة سحرها الخاص كما قال الشاعر مبارك المغربي في أغنية للخير عثمان (فتنتني الجزيرة)، وقديماً كان نشاط الجمعية الأدبية، ثم المنتديات الفكرية والمحاضرات بالأندية، ثم كان نشاط رابطة أدباء الجزيرة ما بين الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات (صديق محيسي، عمر محمد الحاج، محمد عبد الحي، عصام البوشي... إلخ) وإلى ظهور رابطة الجزيرة للآداب والفنون 1974- 1975م التي ازدهرت بشعبها المختلفة (شعر، قصة، تشكيل، مسرح، سينما، ليالٍ ثقافية). وقد رفدت المدينة بنشاط واسع امتد في المدائن الصغيرة والكليات والجامعات وإلى الخرطوم، وقد ساهمت في مجال النشر بالملاحق الثقافية والمجلات، ثم أسهمت أيضاً في كل فعاليات الولاية الثقافية والمهرجانات والمناسبات إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، ثم أصابها الخمول والتشتت حتى انكتم صوتها نهائياً دون نشاط وفعالية تذكر. وكان عملها منتشراً وشاملاً وتطبيقياً ملحوظاً، والآن فإن النشاط الثقافي الراتب لا يتعدى منتدى نادي الخريجين الثقافي مساء كل يوم إثنين أسبوعياً بصورة منتظمة، وقد قام هذا المنتدى بمتابعة الأستاذ خليفة النوحي والذي انتقل به من المركز الليبي، وغير ذلك فإنك لن تجد نشاطاً ثقافياً واضحاً. * ما هو دور الأدب في تطوير الذوق العام ووضع الإنسان المهذب؟ كحقيقة أولية مفروغ منها فإن الأدب والفنون أثرا مباشرة في ترقية الذوق والوجدان والاستنارة وتنمية الملكات الفكرية والشعورية للإنسان، وللفنون طابعها المميز في التحليق بالخيال وسعة الأفق وإيقاظ الضمير وتطوير الملكات العقلية والرقي والمتعة الذهنية والتسامي والوعي وتذوق الجماليات، وجعل أسباب الحياة ممكنة ومتصلة بفتح آفاق الإبداع للحساسية الإنسانية وتنميتها والصعود بها للمراقي النبيلة. * رابطة الجزيرة للآداب والفنون واتحاد الكُتّاب وأخوتها صارت أجساماً بلا نبض وبلا حيوية، هل توافقني؟ لا بد من توفير مناخ عام ومشجع دون إحباط، وما نشاهده اليوم محاولات تسعى للإحساس بالاهتمام الثقافي، والمردود الثقافي الراهن انعكاس لحالة منتكسة في أوجهها الاجتماعية والثقافية والسياسية، ولا بدّ من تغيير الحالة الراهنة ومحاولة إيجاد صياغة جديدة حتى تنشط وتائر المجتمع في كل موجهاتها. والعمل الثقافي في السودان اجتهاد فكري وذاتي مبعثر وليس هناك جهات مؤثرة للفعل الثقافي رسمياً إلا مبادرات مركز عبد الكريم ميرغني في ابتداع مسابقة القصة والرواية وسمنارات النقد والدراسات، وكذلك مساهمة شركة زين في رعايتها للفعل الثقافي العربي المفتوح على نوافذ النقد والرواية والقصة القصيرة والترجمة في كل ذلك حراك قوي مؤثر يجعل السودان في دائرة العمل الثقافي العربي. ومناسبة مهرجان الطيب صالح للإبداع الكتابي من محاسنها التواصل واللقاءات بين المبدعين والمساهمة والتماس بين التيّارات الحداثية وعلى خصوصيتها الثقافية في مناخاتها المتعددة، فقد كان الطيب صالح بما يمثله من إبداع همزة وصل وقاسم مشترك بيننا والآخرين وحتى على المستوى الإنساني وتلك مفخرة لابدّ من تنميتها والإخلاص لفكرتها وتطويرها في كل موسم. * ماهو مدى تأثير قصر الثقافة بمدني في حراك العمل الثقافي؟ قصر الثقافة في ود مدني إنجاز كبير ومستقبلي، وهو صرح كان لا بدّ منه بما يمثله من ثقل اقتصادي ونضالي على مستوى السودان عامة بما أسهمت فيه على كل المستويات والمداخل، واليوم فإن الإمكانات المادية قد تعوق أنشطته وعلى ثقة أن باب المستقبل سينفرج على سعته لاستيعاب كل المناشط، وفكرة قصر الثقافة كانت من ثمرات مهرجان الثقافة الأول بالإقليم الأوسط فبراير مارس 1984م وترقى المبنى من مجتمع ثقافي إلى الصورة الشامخة اليوم، وفي الدول العربية القريبة منّا فإن قصور الثقافة تقوم بعمل كبير ومهم مرصودة له الميزانيات والبرامج والفعاليات الراتبة والمنتظمة. * أحمد الفضل في قصة (رجل شفّاف) رؤى مبهمة، وفي قصة (الصخب الغجري) حديث عن الكبت، وهي أعمال تستحق اهتمام النقاد حديثاً بما تعلل؟ رجل شفّاف كعمل قصصي له خُصوصيته في الفكرة والمعالجة، وجد حظّاً من الدراسات والنقد، وأصبحت أسيراً له وأصبحت كأنها معلم وحيد مع أني كتبت بعدها أعمالاً كثيرة لكل قصة حالتها وتأويلها الخاص، وليس مفترضاً في المبدع أن يضع مفاتيح لعمله مهما كان ذلك؛ ولأنه في الحقيقة ليس مطالباً ومفترضاً فيه التفسير والشرح. * التلقي الثقافي الإلكتروني أصبح خصماً على الكتاب، هل هذه دعوة لإحالة الكتاب الورقي إلى المعاش. الرأي عندك؟ للكتاب سحره الخاص وجاذبيته ومتعته فلا بدّ من اقتنائه وتقليب صفحاته والرجوع إليه كشيء أثري وملموس يشعرك بالكفاح والجهد والتنقيب والتأمل والاسترجاع. أما في الأجهزة التقنية تبسيطٌ وتسهيلٌ مع ميزتها الأخرى المهمة في الحفظ وسهولة الالتقاط وترتيب وتنظيم المادة وأرشفتها بصورة حضارية عصرية ومع ذلك فللكتاب قيمته الأزلية. * ما هي آخر إنتاجاتك؟ لا بدّ للمبدع أنْ يتروى قليلاً ويعيد تقويم ذائقته الجمالية من حين لآخر فيخرج للناس شيئاً متقدماً ولا يكرر تجربته ويجترها، فالكتابة اليوم أصبحت مسؤولية لتستوعب مضامين وإرث يتجدد ويتخلق بصورة تتفوق على الحلم، وما زلنا بعيدين عن فهم واقعنا وعوالمنا الأسطورية، ولابدّ من حفريات جادة لنخرج تلك المطمورات المنسية من بواطنها المخبوئة وأنهارها الجارية تحت قشرة الأرض السطحية وما نحن بمطالبين للكتابة في كل حين.. وكثير من القصص التي كتبتها في السنوات السابقة تحتاج للتنقيح والتجميع لإصدراها في مجموعات... ولكن كيف السبيل إلى ذلك بغير التعامل التجاري والمباشر مع جهة تنشر في الداخل والخارج وتلك عمليات معقدة تحتاج لمتابعة وتهسيلات مشجعة. والكتاب السوداني غير مسوّق في المنطقة الإقليمية دعك عن الداخل والأمور تحتاج لمعالجات واهتمام، ومعظم الكتابات العربية تصلنا في السودان وعلى قلتها لا تجدنا في سباق معها أومنافسة تحفظ التواصل معها والتفاعل الإيجابي لحين الدخول في دائرتها، وعموماً فإن القطر السوداني يقبع في المؤخرة بين الدول المجاورة من حيث الاهتمام الثقافي وتلك معضلة!!! * جائزة الأديب الطيب صالح تظاهرة ثقافية الأبعاد والتقويم.. الأديب الطيب صالح أدخل السودان في الدائرة العربية والعالمية بإبداعه وإسهامه الثقافي فكان لا بدّ من هذه الفكرة العبقرية التي تنادي إليها المبدعون من الأقطار العربية وهي تظاهرة ثقافية على مستوى كبير من التنظيم والإعداد والمساهمة، وقد حركت بمناشطها المختلفة، ثم إنها شيدت جسراً من التواصل بين كافة المبدعين وجعلت للإبداع مساهمة ملحوظة في غياب المؤسسة الرسمية مما جعل شركة زين للاتصالات ترعى هذه التظاهرة بسخاء كبير، ونتمنى أن تحذو منظمات العمل المدني بدورها في فتح دروب جديدة لتنمية ثقافتنا المحلية وخروجها للمستوى الإقليمي والعالمي.. مهرجان زين للإبداع الكتابي فيه جهد وإخلاص يتناسب مع قامة الطيب صالح كعبقرية سودانية، ونتمنى من الأمانة العامة للجائزة أن تطرح أفكاراً جديدة في تطوير واستدامة الجائزة موسمياً، وكما تقدّم فإن السودان غنيّ بالإبداعات والفنون ويعوق ذلك الدائرة الضيقة المغلقة عليه والأمل في مستقبل جديد وملهم...