الخرطوم: خديجة عبد الرحيم: محنة السيول والأمطار التي مرت بها البلاد أظهرت صوراً من المعاناة وسط المواطنين ما دفع العديد من الدول والمنظمات الوطنية والاجنبية إلى أن تتسابق إلى دعمهم واغاثتهم بالايواء والمواد الغذائية والتموينية والمسكن والملبس وغيرها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ما قدمه العالم من اغاثة لتخطي المحنة تسول؟ وهل يمثل هدراً أو خدشاً لكرامة المواطن السوداني؟ وهل هناك ضرورة لفتح باب الاغاثات؟ وأين دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني؟ ولماذا لا تتم دعوة هذه الدول للمساهمة في تمويل المشروعات للوقاية من الكوارث بدلاً من تقديم الإغاثة؟ ويذهب نفر غير قليل من اهل البلاد الى ان تسول الاغاثات امر لا يشبه اهل السودان مهما عظم أمر النكبات والكوارث، ويستدل هؤلاء ببعض المتنفذين من الدول الشقيقة والصديقة الذي يتحدثون عن إرسال الإغاثات للسودان بصورة لا تخلو من استعلاء او من واذى، ويقول هؤلاء إن على الحكومة عند الكوارث حث المانحين على تمويل مشروعات البنى التحتية للقطاعات التي كانت سبباً في الكارثة، وعلى سبيل المثال كان على الحكومة خلال ازمة السيول ان تطلب تمويلاً لمشروعات الصرف السطحي او مشروعات حصاد المياه بدلاً من طلبات الاغاثة، وفي حقب الجفاف كان يجب تقديم مشروعات الترع وقنوات الري، وفي مناطق مرابيع الشريف والكرياب كان الاهالي لا يطلبون سوى مقومات الايواء من الخيام، رافضين الاغاثة المتمثلة في المأكولات وغيرها. وهناك فئة اخرى لا ترى في طلب الاغاثات اهداراً لماء الوجه او أنها تأتي خصماً على الكرامة والعزة التي يفخر بها اهل السودان، ويشير هؤلاء الي ان عدداً كبيرا من اهل السودان في دارفور وشرق البلاد ظلوا طيلة السنوات الماضية يعتمدون على الاغاثة التي يوفرها برنامج الغذاء العالمي. إن ارتفاع صوتنا بطلب الإغاثة كان خصما على عزة أهل السودان، ولم يأت بشيء، فالأممالمتحدة ترى ان السيول والأمطار التي اجتاحت عدداً من الولايات الحقت الضرر باكثر من «147» ألف شخص وتوفي العشرات، وشكا ممثل الشؤون الإنسانية للأمم المتحدةبالخرطوم، مارك كتس، من ضعف الاستجابة للنداء الذي وجهته المنظمة الدولية بتوفير مليار دولار ولم يتسلموا منها سوى «40%»، ورأى في الوقت نفسه ان معدلات سوء التغذية في السودان تجاوزت المسموح به عالمياً بتسجيل ما نسبته «16%» وأكد كتس أن المتأثرين بالفيضانات والسيول في جميع انحاء السودان بلغ عددهم «147» ألفاً، منهم اكثر من «85» ألفاً اضطروا لمغادرة مساكنهم في الخرطوم بسبب الأمطار والسيول بعد ان انهارت منازلهم تماماً، وتوفي «28» شخصاً، وفي نهر النيل تأثر نحو «15852» وتوفي شخصان، وفي ولاية الجزيرة بلغ عدد المتأثرين «9900» وتوفي شخص واحد، وقال إن هذه كارثة، ومستعدون لتقديم المساعدات، ولكن المشكلة ليست في الخرطوم وحدها لأن هناك أماكن أخرى كالجزيرة وشمال السودان. وقال إن المنظمة الدولية اطلقت نداءً بنحو مليار دولار، وتسلمت فقط «40%» من المبلغ، وهو اقل من المطلوب بكثير، وهنا تبرز الاسئلة بشأن التسول مرة أخرى. خبير علم الاجتماع دكتور عبد الرحيم بلال أوضح أن هناك اختلافاً في الإغاثات، وقال ان هنالك اغاثات مادية وهنالك اغاثات معنوية وأيضاً غذائية، والمعونات في حد ذاتها لا يرى فيها عيباً أو اهداراً لكرامة المواطن أو مشكلة، وانما تكون هنالك مشكلة إذا لم تصل هذه المعونات أو الدعم للمواطن. ويقول دكتور بلال: «إذا افترضنا انها لم تصل للمواطن فهذا يكون هدراً للكرامة». ويرى أن الكثير من الدول تقبل الاغاثات والدعم الذي يأتي في اطار التعاون بين الدول، وإذا كانت الدولة لا تستطيع مساعدة مواطنيها أو دعمهم فليس هنالك ما يمنع تقبل الدعم أو الاغاثة. ويضيف بلال قائلاً: «إن التمويل يعتمد على الدولة التي تحدث فيها الكارثة، ويجب أن نفرق بين الإغاثة والتنمية وإعادة البناء، فإذا كانت هنالك دولة قد طلبت من أخرى مساعدتها في بناء السدود او اعمال الري وغيرها فإن مثل ذلك الطلب مرتبط ببرامج وميزانية العون بالدولة المانحة. وإذا قلنا ان هنالك اهداراً لكرامة المواطن فهذا يعني فشل الحكومة وان الدولة غير قادرة على حماية مواطنيها. ان الدولة مسؤولة عن حماية مواطنيها من الكوارث، وان تكون على درجة من الاستعداد لمنع الكوارث قبل ان تقع من خلال تشييد البنية التحتية والمصارف». الخبير الاقتصادي بجامعة الأحفاد السماني هنون يرى ان الدعم جزء من التكافل الاجتماعي بين الدول، ولا يرى فيه اهداراً لكرامة المواطن السوداني، ويمضي هنون قائلاً: «إن الإهدار الحقيقي لكرامة المواطن السوداني هو تفشي الحروب وهتك الحقوق، وقد ترتبط الكوارث بظروف محددة خارج ارادة الدولة، وبالتالي فإن طلب الدعم ليس تسولاً وإنما أمر تطلبه ظرف طبيعي». ويضيف هنون قائلاً: «إن السيول والأمطار خلقت ضرورة لتقبل الدعم والاغاثة، لأن يد الحكومة مغلولة وعلى المواطن تقبل الاغاثة دون حساسية، والاغاثة التي قدمت للمتضررين متواضعة مقارنة بحجم الكارثة، ولا تخدش كرامة المواطن السوداني خاصة أن وقفة الحكومة لم تكن بحجم الكارثة، ولأن المواطن بحاجة ماسة لمأوى وغذاء كان لا بد من الدعم الخارجي». ويرى الخبير في مجال العلوم السياسية البروفيسور صلاح الدومة أن تدفق الإغاثة امر ايجابي طالما المواطن السوداني جزء من مجتمع دولي، وقال إن من حق أية دولة أن تطلب الاغاثة من الدول الأخرى إذا أصابها مكروه إذا لم تستطع توفير الاجتياجات الاساسية للمواطنين وإسعافهم. ويرى دكتور الدومة أن الدول الشمولية تمنع دخول الاغاثات وهي أمر مقبول اذا كانت تلك الدولة مقتدرة فعلاً، فمثلاً اليابان عندما أصابها زلزال رفضت الاغاثة من الدول الأخرى. ويرى أن هذا الدعم في الآخر هو اراقة لماء الوجه طالما ان الدولة عاجزة عن دعم مواطنيها. ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور حسن بشير: «إن الاغاثة ليست تسولاً بل هي معونات خارجية. وهذا نظام معمول به عالمياً ويتم بين الدول والمنظمات سواء أكانت طوعية أو حكومية، وهي توجه فيه جانب انساني واقتصادي أيضاً، وعلى الدولة ان تتلقى اعانات أكبر من الدول الأخرى، وان تقام معها علاقات اقتصادية». ويرى دكتور حسن ان الشخص الذي يحتاج لاغاثة أو اعانة مخدوش الكرامة، ويجب ان يغاث أو يدعم لكي يمارس نشاطه، وان يتم انقاذه وتعويضه بشكل ملح لتعود له كرامته وعزته، وقال إن الاغاثة نظام عالمي ومهم لأية دولة تحدث بها كارثة حسب المواثيق الدولية من الأممالمتحدة أو المنظمات، وختم حديثه بأنه لا توجد دولة ليست بحاجة إلى دول أخرى. البروفيسور عصام بوب قال: «إن الاغاثة الدولية نمط عالمي، حيث ان هنالك منظمات متخصصة تهب لإغاثة البلدان التي تحدث فيها كوارث طبيعية، وهذا موجود في بنود منظمات الأممالمتحدة والعديد من المنظمات الطوعية. ومن المفترض أن تكون هذه الإغاثة بصورة تلقائية وتقبل أما للدولة أو السلطات أو بصورة مباشرة للمتضررين، وقد يحدث أن ترفض الدولة المعنية هذه الإغاثة بحجة انها قادرة على مساعدة المتضررين من الموارد الطبيعية، مثلما حدث في الصين في عام 1986م حينما ضربها زلزال أدى إلى ملايين الضحايا ووفيات بعشرات الآلاف، ومن المفترض ان تكون لكل دولة منظومة لدرء الكوارث. وعادة تكون المساعدات والمنح لدولة معينة ضربتها كارثة، وتكون منحة كاملة وليست قروضاً ومن دول متعددة، وان كل ما على الحكومة توفير آليات تنقل المنح إلى المتضررين». ويختم بوب حديثه بأن كرامة المواطن السوداني يتم خدشها كل يوم بسبب الفقر والفاقة والغلاء، ويقول إن الحكومة تتخير أسوأ الأوقات لكي تزيد حجم الضرائب في الوقت الذي لم يفق فيه المواطن السوداني من الآثار الاقتصادية الناجمة عن أزمة الفيضان والسيول. ويرى رئيس اتحاد المنظمات الطوعية السودانية (scova) الاستاذ سراج عبد الغفار أن ما يتم تقديمه من دعم وايواء من دول الخارج لا يعتبر تسولاً وانما اعتبره مساهمة ووقوفاً الى جانب دولة اصيبت بكارثة/ وقال إن العالم جميعه يساهم في مثل هذه الحالة، ويضيف قائلاً: «ونحن ايضاً نساهم لكثير من الدول في حالة الكوارث مثل المساهمة التي قدمت لدولة موزمبيق». ويقول رئيس اتحاد المنظمات الطوعية: «نحن بوصفنا منظمة مؤتمر اسلامي لدينا شراكة مع دول اخرى في الإغاثة والإعانة، كما ان هنالك اغاثة ليبية جاءت في اطار المساهمة، والحكومة نفسها قدمت مساهمة. والمنظمات العالمية كانت من قبل تفرض تقديم الدعم مباشرة للمواطن، وهذا لضمان حق المواطن في الاغاثة التي تمنح له، وايضاً لسهولة التعامل والتواصل بين المواطنين، وكل المنظمات الوطنية سلمت الدعم لإدارة الشؤون الإنسانية، وكذلك ليبيا وقطر والمغرب والسعودية جميعها قد تم التسلم منها عبر مفوضية حقوق الانسان». واضاف ان جملة ما تم انفاقه لم يتم حصره، بيد انه على سبيل المثال لا الحصر، فإن منظمة الدعوة الاسلامية قد تبرعت بمبلغ مليون جنيه، وزاد دكتور سراج قائلاً إن التقرير النهائي لمجموعة التبرعات لم يصلهم بعد، قبل ان يوضح ان المنظمات تمرحل المعونات عبر مرحلة الإغاثة والايواء ثم مرحلة الاصحاح البيئى، وأخيراً إعادة بناء وإعمار المرافق مثل المساجد والمستشفيات والمدارس. ولفت سراج الدين الى ان المنظمات الوطنية التي شاركت في عملية الاغاثة هي «176» منظمة وطنية، وبعض منها قدمت المأوى مثل منظمة الهلال الأحمر السوداني، وبقية المنظمات قدمت الغذاء والخدمات الصحية والاصحاح البيئي وهي الأغلب، وتم ذلك عبر الشبكة الوطنية المحلية، بجانب بعض الجهود التي قام بها اتحاد الشباب السوداني وكذلك شباب النهضة ومجموعة نفير وهم جميعهم متطوعون. كما أوضح أن هنالك منظمات كبيرة قادت قوافل لولايات نهر النيل والنيل الأزرق والنيل الأبيض والجزيرة وسنار وجنوب دارفور والشمالية.