: قبل بضعة أعوام نشرت شهرية ?لوموند ديبلوماتيك? تقريرا بينت فيه أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دأبت منذ 1999 على تخويف ?العالم المتحضر? من الخطر النووي الإيراني وعلى الإعلان، بالفم الملآن، بأنه لم يعد يفصل بين إيران وإنتاج القنبلة النووية سوى عام أو عامين. وبما أن تصديق ما تقوله النومنكلاتورا الصهيونية هو من عادات ساسة الغرب الذين لا قبل لمعظمهم بوجع القلب الناجم عن تجشم مشقة التفكير الحرّ في ?مسألة إسرائيل? (حسب عنوان كتاب رجا غارودي الشهير)، فإن الاستنتاج المنطقي هو أن السيف النووي قد سبق العذل الغربي ? أي أن إيران أصبحت تمتلك القنبلة النووية فعلا. ليس من أمس، بل منذ عام 2001 (ô) ولكن المخيف أن السنوات الماضية أثبتت أن ضلالات ساسة الدول الغربية ليست ناجمة كلها عن البروباغاندا أو الكذب المنظم. بل إن هنالك من الضلالات ما هو ناجم عن الخطأ أو الجهل (أي نعم!) أو السطحية البالغة حد السذاجة. إذ رغم أن السياسة بلغت أرقى درجات الاحتراف، فإنها سرعان ما تسقط في مهاوي الهواية، أي في تمارين ?التجريب والخطأ? و?لعل وعسى?، حالما يتعلق الأمر بالرغبة في استمالة الرأي العام لموقف غير مضمون أو تجييشه ضد عدو جديد. كذلك كان الأمر أثناء الإعداد لغزو العراق. حيث تبين أن من الساسة الغربيين من يسقط سقطات مدوية ? بل إن بعضهم يقول ما لا ينبغي للعاقل أصلا. ألم يتحدث السىء الذكر توني بلير عن قدرة العراق على إطلاق صواريخ تصيب أهدافها في لندن وواشنطن بمجرد 45 دقيقة؟ ألم يتبين أن معظم معلومات ?ملف العراق? (الدوسييه الشهير) الذي أعدته الاستخبارات البريطانية لم تكن مستقاة من مصادر علمية موثوقة، بل كانت مجرد تقميش و?قص ولصق? من مسودات أطروحة طالب جامعي متوفرة على الانترنت؟! لهذا حق للكاتب الإيراني عطاء الله مهاجراني أن يتساءل:إذا كان نتانياهو مفتقرا للمعرفة الصحيحة حول أمور معلومة، بل شبه بديهية (مثل ما إذا كان الشباب الإيراني يرتدي بناطيل الجينز ويستمع لموسيقى البوب الغربية)، فما هو مدى مصداقيته وموثوقيته حول مسائل بالغة السرية، مثل زعمه بأن لدى إيران اليوم 185 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب وأن 250 كيلوغراما هي الكمية التي تحتاجها لصنع القنبلة؟ أما الخلفية الأبعد لهذه الضلالات، فهو أن هنالك في معظم الدول الغربية ترتيبات مؤسسية مانعة لبروز الفكر النقدي (ما يسميه تشومسكي ?الفكر اللامفكر فيه?) المنافي لمواضعات ?الحكمة السائدة?. لذلك تجد أن بعض الدول تبدو محكوما عليها بالاستمرار في الخطأ، كأنها لا تستطيع غيره. وقد عبرت هآرتس عن وجه من هذا المعنى عندما قالت قبل أيام إن النظامين السياسيين في أمريكا وإسرائيل صارا يتنافسان من هو الأكثر حماقة! نظام يتبادل الكهول من ساسته اتهامات (ثم اعترافات) حول طيش أيام الشباب (تدخين الماريوانا، الخ)، ونظام يغلق ?دكان? الحكومة ويرمي بالمفتاح في غياب المماحكات. تشابه في السخافة كان قد سبقه تماثل في الخرافة التأسيسية بين نظامين توأمين يقوم كلاهما على ميثولوجيا الشرعية الاستئصالية (إبادة الشعوب التي تعترض سبيل الخرافة).