لقد أصبح للمبعوث الامريكي الخاص اسكوت غريشن تأثير كبير على سياسة حكومة الخرطوم للدرجة التي يبعد فيها مسؤول السودان بالامم المتحدةوواشنطن من اجل ارضاء هذا المبعوث الرئاسي ، ورغم ان حكومة الخرطوم التي ما عاد الناس يفهمون ابعاد ومرامي علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالامريكية والى اين تؤدي تلك العلاقة الغامضة الا ان المراقبين يستنتجون اموراً جمة من وحي حادثة ابعاد السفير عبدالمحمود عبدالحليم ، ويربطون ما بين استنكار الخرطوم لتصريحات غريشن ضد الانتخابات التي جرت منتصف الشهر الماضي واستهداف عبدالمحمود المدافع القوي عن سمعة الخرطوم في دهاليز المنابر الدولية على خلفية استنكاره لتصريحات غريشن . وبحسب ملف التجاذبات بين الخرطوم وغريشن فإن المرجح من بين كافة التصريحات التي اطلقها الاخير في وصف العلاقة بين بلاده والحكومة ان اغلبها كان ضد الخرطوم وان الخرطوم كانت كلما توعدت بحسمه استقبلته بالترحاب وهو يطأ بحذائه البساط الأحمر المفرود بمطار الخرطوم ، ولعل هذا ما جعل المراقبين يتشككون في طبيعة العلاقة بين هؤلاء وذاك باعتبار ان ما يحدث بينهما لا يمكن ان يفسر الا بان الاخير له مفعول سحري يسري في جسد الحكومة السودانية كما لا يسري أي مفعول آخر قط . إن مفعول غريشن استطاع القضاء على صوت السفير عبدالمحمود بجرة قلم او فلنقل ب ( زنزنة فاكس ) دون ان يرمش للخرطوم جفن وهذا من عمل السحرة بالتأكيد حيث لا يعقل ان تتقاضى الخرطوم عن كافة التصريحات التي ظل ( يلفها ) غريشن حول رقبة الحكومة رويداً رويدا ثم تعمد الى ابعاد رجلها المقاتل لان الساحر اوحى اليها بأنه يقف حجر عثرة امام تحسين العلاقات مع واشنطن ، العلاقات التي ظلت الخرطوم تصفها بأنها يجب ان تقوم على الندية والاحترام واحترام سيادة السودان ، ومن الواضح ان ما فعلته الحكومة من استرضاء للمبعوث الامريكي على حساب المبادئ ستكون عاقبته النجاح والتوفيق والسداد او هذا ما كان يظنه من قبلها الكسعي الأحمق . إن حكومة الخرطوم وهي تركض خلف تحسين العلاقات مع عدو لا تعرفه جيداً لم تتعظ من الطريقة الامريكية في التعامل مع الانظمة المتشحة بالسواد او فلنقل الانظمة المتسخة بقضايا الارهاب وانتهاكات حقوق الانسان ومزاعم الابادة والادانات المتراكمة من قبل مجلس الامن الدولي ، ومن الواضح ان مستشاري الحكومة لم يستطيعوا عبر عشرين عاماً من الركض وراء السراب ان يتفهموا الطريقة الامريكية في التفكير والتخطيط ودراسة الخيارات ولم تسعفهم عقولهم المتبلدة الاستعانة ولو قليلاً بالخبراء الدوليين في دراسة كيفية التعامل مع عدو يجيد التعامل مع الحكومات التي يعتبرها مارقة مثلما يتعامل مع عصابات المخدرات وغسيل الأموال والجريمة المنظمة ، وبالتالي فإن دلق المياه على السراب ليس اسلوباً حكيماً فما المانع من انقلاب غريشن كالمعتاد على الخرطوم بعد فترة وجيزة واتهامها بالإبادة الجماعية لشعب دارفور ؟ أليس هذا ما يردده الرئيس الامريكي ووزيرة الخارجية ؟ ان الطريقة الامريكية تدعم الاتجاه الدولي لجهة عدم الافلات من العقاب وطالما ان المحكمة الجنائية ما تزال سيفاً مسلطاً على الخرطوم فإن الامل في اقامة علاقات جيدة مع واشنطن تبقى صفراً كبيراً ولذلك فلا داعي لوأد المبادئ إن كانت موجودة او مظهر من مظاهرها قبل ان تتعلم الخرطوم طريقة تفكير الذين تركض خلف نيل رضائهم . لقد حان الوقت للحكومة ان تضع ضوابط قومية في ادارة الشأن الخارجي فليس مقبولاً هذا الأداء المتدني والتقلب في القرارات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ومن الواضح ان تحقيق تقدم على صعيد العلاقات مع امريكا بهذه الصورة التي نراها لن يكون ملموساً او ذا جدوى وعلينا ان نوضح للامريكان اننا قادرون على حلحلة مشاكلنا الداخلية بعزيمة وارادة وطنية دون الحاجة الى تدخلهم في كل صغيرة وكبيرة وابتزازهم للقرار الوطني.