قلنا في مرات سابقة إن انفعال معشر المغتربين بقضايا بلادهم يبدو لافتاً، وهو أمر ينسجم تماماً مع الحالة النفسية التي يعيشها المغترب المولع بالاستقرار في ربوع وطنه، لذلك تجد المغترب دائما «شديد التوت»، لحالة إسهالات مائية تظهر في إحدى داخليات الطالبات، أو حالة سحائي تضرب جنوب السودان، أو نيران تشتعل في جبل مون، أو حادث سير مروع في طريق «الموت» ود مدني- الخرطوم، كما أنه عظيم الفرح بتعبيد طريق أو تشييد بئر، أو ايصال التيار الكهربائي لقرى نائية كانت تغرق في الظلام، أو حتى باصات حديثة يستجلبها والي الخرطوم للنقل الداخلي، ومجمل «القصة» أن المغترب يتطلع الى عودة ظافرة إلى وطن آمن ومستقر، حتى ينعم بتمضية بقية سني عمره بين الأهل والأصدقاء. ولعل أكثر ما يشغل بال المغترب حالياً هو أمر الاستفتاء الذي بموجبه يصبح السودان وطنا واحدا موحدا، أو يمضي إلى الانفصال بقيام دولة في الجنوب، لها حدودها وسيادتها، ويمكن أن تكون جارة غير ودودة، فلكل دول مصالحها، وبالتالي هو خيار لا يحبه معشر المغتربين، بل لا يريده أهل الشمال، وغالبية سكان الجنوب، غير أن الأمر لن يخضع دائماً للرغبة الشعبية، فإذا كان الذين يمسكون بمقاليد الأمور في الجنوب لا يريدون الوحدة فلن تحدث حتى لو صوت لها كل سكان الجنوب، وهو أمر لا يحتاج لشروحات. دعونا نعيش تخيلات أن الجنوب مضى نحو الانفصال، فيجب أن يكون العمل الاستراتيجي أن يكون هذا الانفصال آمناً، فبذات المقاييس التي نتحدث بها عن الوحدة الجاذبة، ينبغي أن نعمل أيضاً لانفصال آمن إن فشلت مساعي الوحدة التي يرى قادة الجنوب أن الوقت أضيق من أن تكون، ولا أعرف على وجه الدقة، كيف يضيق الوقت أمام تحقيق وحدة بين أبناء الوطن، وتتسع لانفصال مخاطره على الجنوب أكبر من الشمال، وقد بدأت بوادر هذه المخاطر حتى قبل موعد الاستفتاء، من خلال ظهور تمرد على الحركة الشعبية حتى من بين قياداتها. المهم يجب ألا تغفل الهيئة القومية التي تعمل من أجل الوحدة الجاذبة، أمر الانفصال الآمن بإشاعة روح المحبة بين شعب كان دولة واحدة، حتى لا يشعر مواطن جنوبي أن دول الجوار الإفريقي إقرب إليه من السودان الشمالي.