من لا يقبل نتيجة التنافس الحر ، يعتبر من أول الذين ينزعون نحو فرض رأيهم وتقديس أنفسهم ، والطغيان على الآخرين وتسفيه توجهاتهم، وعدم إحترام قراراتهم كما لو أن هذه الحياة قد أودعت أشرعتها ومقودها لديهم ، ليوجوهوها حيث شاءوا، وأنى شاءوا، وهم بهذا الفهم قد وطنوا للظلم وخصصوا له مكاناً في قلوبهم ، ولقاعدة الخطأ والخطل موقعاً وسيادة، وهي من المستحيل عليها أن تحظى بمثل ذلك من سيادة أو صحة ، أو أدنى درجة من درجات القبول والاستحسان . وعندما يجري التنافس مجراه ، لا يجد المرء حرجاً في التفضيل بين مستوى ومستوى ، وعرض وعرض ، وقيمة وقيمة ، والحكم هنا ليس حكماً تعسفياً ، أو قائماً على خبطٍ عشوائي أو مزاج إنفرادي ، خاصة عند ما تتضح معايير الجودة ، ومواطن الضعف ، وعلامات التقدم وسيماء التأخر ، ولا يخفى ذلك على من أتاه الله القدرة على التمييز والوقوف على الفرق بين الذي يعتبر قيماً وذلك الذي يوصف بأنه بخسٌ ولا يساوي سوى دراهم معدودات . والتنافس من ميزاته،أنه يزيل عوامل كان بفعلها يلتهب القلب حسداً وغيرة وبذلك تختل الموازين بالتقديرات الطائشة والتصورات التي تعاني من علة التكييف، وسوء التطفيف، وعدم الوزن بالقسط والقسطاس المستقيم . ولا أجد بأن أي إعتراض سوف يكون له أدنى قيمة ، فيما لو طرحت الوظائف العامة ليتنافس من أجلها المتنافسون ، بكفاءتهم وخبرتهم ، وقدرتهم على إجتياز المعاينات والإختبارات ، وعندئذ لا يجد كل أولئك الذين يتشككون في مثل تلك النتائج التي وضعت تحت مجهر الدراسة والفحص ، وتبين صدقها ، وشُهد بالدقة والنزاهة في كل من اضطلع بإجراءاتها ، وأكمل مطلوباتها . بموجب شهادات موثقة وخبرات متراكمة ، وسيرة ذاتية بصم عليها المجتمع ، وهي ليست كالتوصيات الفردية التى لا قيمة لها ولا وزن ، ذلك لأنها من قبيل الترضيات التي ليس لها أساس ولا تقوم على معيار ، أو مقياس . والمبررات التي نسُوقها بضرورة أن يكون التنافس الحر منهجاً ، تسير عليه الدولة، ويتبعه المجتمع للأخذ بالخيارات ، وتحديد المواقف وإتخاذ القرارات ، هي التي تعصمنا من زلل الإنحياز الظالم ، والإفتئات البغيض ، تجنبا للإخفاقات والإتهامات ووصفنا بأننا نتبع سياسة الخيار والفقوس ونقسم الناس فئتين فئة الأعداء وفئة أخرى للأصدقاء، وما هكذا يصنف الناس ، وهم سواسية كأسنان المشط ، من حيث الحقوق، وكذلك الواجبات . وعند ما يكون التنافس الحر ، الذي لا تشوبه شوائب التزوير والتدليس ، يتفق الكل على نظامٍ وأسسٍ لا يملك أن يلغيها حزب حاز على أغلبية ، أو حاكم تم إنتخابه لفترة من الزمان معينة والتنافس الحر ، والإرتكان إلى نتائجه، والإعتماد على مخرجاته هو الذي يورث الإستقرار الإقتصادي ، والأمن الإجتماعي ، والنظام السياسي الذي بموجبه يكون الرضا والإرتضاء من الكافة بكيفية المنهج الذي يتم به تداول السلطات وتوزيع الثروات.