في حقبة منتصف الستينات وربما بعد مؤتمر قمة الخرطوم في 67 عقب النكسة والشهير بقمة اللاءات الثلاث،كانت العاصمة السودانية قبلة للادباء والشعراء والمبدعين العرب.جاءوا الى الخرطوم ليملأوا رئاتهم من هواء الديمقراطية السودانية الثانية عقب ثورة اكتوبر في وقت كان العالم العربي كله «ربما باستثناء لبنان» يرزح تحت وطأة شمولية لا تجسر معها حتى العصافير على التغريد. كان مكانهم المفضل الفندق الكبير او«القراند اوتيل» ذاك الفندق العريق وربما الوحيد في ذاك الزمن ... يستمتعون على باحة مدخله بأنسام ليل الخرطوم الرقيقة ويصخبون شعراً وأنساً وأدباً حتى ساعات الصباح الاولى . أحمد بهاء الدين وأحمد حمروش وصلاح حافظ ومحمود السعدني ومحمد الفيتوري وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وصباح وفهد بلان وشادية ومحمود المليجي وفائز حلاوة ونجاة الصغيرة وتحية كاريوكا والثلاثي المرح وحتى محمود شكوكو. في واحدة من تلك الامسيات العطرة في حقبة الستينات جلس الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور في «كنبة» قبالة النيل الازرق وراح يتأمل في بهاء ذاك المنظر ويستطلع بشاعريته المرهفة ذاك الموج الهادر الازرق وهو يمضي صوب المقرن ليعانق الماء الابيض المنساب من الجنوب ويمضيان معاً صوب الشمال فى رحلة الخير والنماء ،فكتب ابياتاً خالدات من أجمل وأرق ما تغنى به فناننا الكبير سيد خليفة،وقد بحثت عن هذا النص الشعري النادر دون أن أوفق في الوصول اليه والذي يقول فيه عبد الصبور:- هما نهران في مجرى تبارك ذلك المجرى فيمناه على اليسرى ويسراه على اليمنى وهذا الازرق العاتي تدفق خالداً حرا وذاك الابيض الهادي يضم الازرق الصدرا فما انفصلا ولا انحسرا ولا اختلفا ولا اشتجرا ولا هذي ولا تلك ولا الدنيا وما فيها تساوي ملتقى النيلين في الخرطوم يا سمرا