أمّا إنكم ناس عجيبين، الواحد فيكم لمّا يكون عايز ينجز عملاً مهمّاً أو حتى غير مهم، أو عايز يرتاح بعد أداء عمل مضن أو عايز جو هادئ خالي من اي جلبة أو ضوضاء تقطع عليه حبل أفكاره وتشوش على صفاء ذهنه وتشتت تركيزه عندما يكون غارقا ومنهمكا في تفكير عميق يستغرقه في التدبر والتأمل والتخطيط لعمل مهم قادم، فإنه لا يحتمل صرير باب دعك عن صراخ اطفاله الذي يصدر عنهم وهم في لهوهم البرئ، فيصل به التوتر إلى مداه وتفلت اعصابه ويستشيط غضبا ويتطاير الشرر من عيونه فيندفع مثل الثور في مستودع الخزف وهو يرغى ويزبد ويصرخ في وجه آل بيته وأطفاله ولا يتورع من ضربهم ومطاردتهم وإن دعا الحال إلى طردهم خارج المنزل حتى يخلو له الجو فيرتاح من الجلبة والازعاج والنقة، ويعود إلى ممارسة ما كان فيه بعد ان يحصل على الهدوء المطلوب، ان كان نائماً عاد لمواصلة نومه بكل ما يتطلبه النوم من هدوء وسكون، وان كان مستغرقاً في التفكير والتخطيط وتقليب الاحتمالات والاختيارات وفحص البدائل وعقد المقارنات والمقاربات للخروج بأفضل القرارات التي تصب في صالح غد الاسرة ومستقبلها القريب والبعيد، وإن كان في حالة تفكر وتدبر، عاد إلى مواصلة تفكيره التخطيطي وتدبيره الاستراتيجي، وهو حين يغضب ويقمع آل بيته أو يضرب أطفاله أو يحرمهم من ممارسة حقهم الطبيعي في اللهو واللعب، إنما يفعل ذلك من أجلهم ويؤدي واجبه عليهم كرب للأسرة وراعٍ لشؤونها وولي أمرها والمسؤول الأول عن يومها وغدها ومستقبلها، ومصدر العجب فيكم هو انكم لا تراعون في ولية أمركم الكبرى الحكومة الذي تراعونه في أنفسكم، فالحكومة أيضا لا تحب الازعاج والنقة والثرثرة وكثرة الكلام، فالنقة والثرثرة تمحق النعمة وكثرة الكلام تذهب الوقار وتشتت الأفكار وتصرف الحكومة عن التفكير الجاد العميق في أحوال رعيتها الراهنة والحاضرة والتخطيط لمستقبلها، فبالله عليكم لا تنهوا عن فعل وتأتوا مثله، ترفضون الازعاج على أنفسكم وتمارسونه على الحكومة، تطلبون الهدوء والسكينة والاستكانة لذواتكم وتنكرونها على الذات الكبرى «السلطة»، اعدلوا وانصفوا ودعوا الحكومة تعمل في هدوء بلا اي ازعاج، والا ستضطر كل مرة لتفعل بكم ما تفعلونه بأطفالكم بالحب ذاته والحجة ذاتها، رُفعت الأقلام وجفت الصحف... ليس المهم هنا تحديد درجة منطقية أو لا منطقية المرافعة أعلاه بقدر أهمية ان تعرفوا إنها كانت مرافعة من أحد السلطويين المتمسحين بالديمقراطية ممن يحسبون انهم يحسنون المنطق، كان قد أدلى بها في مواجهة شعبي- ولمعلومية من يهمهم الأمر نوضح ان الشعبي هذا واحد من أفراد الشعب- وليس شعبي بمعنى عضو في حزب المؤتمر الشعبي، حيث ضاق السلطوي ذرعا بفقرتين من جملة فقرات فاقت الاربعين كان الشعبي قد بلغها ولم يبلغ النهاية بعد في عد مآخذه على الحكومة، والفقرتان هما ان الشعب حيث اشتكى من البطالة وبكى من العطالة فتحت الحكومة باب الاستثمارات الاجنبية التي لم تفتح سوى المطاعم والمقاهي والكافتريات والكوافيرات ومحلات الاثاثات وهلمجرا من خدمات لم يجد فيها شبابنا حتى فرصة ان يعملوا نوادل وجرسونات، وثانية الفقرات هي هذا الفقر الفاشي والتعليم والصحة اللذان أصبحا من سلع الرفاهية «والغالي بغلاتو يضوّقك حلاتو والرخيص برخصتو يضوّقك مغصتو» واللي ما يشتري يتفرج وجربان يأكل بعينو.. وتحيا وحدة الامة السودانية......