أحد اعمامنا من المهووسين بعشق كرة القدم كانت لديه جملة اثيرة يرددها كلما هلّت علينا نهائيات كأس العالم كما في ايامنا هذه... كان يسأل الله ان يمد في ايامه اربع سنوات ليشاهد الكأس القادم ، ولكن بكل اسف رحل ذلك العم قبل سنتين وكانت امنيته أن يشهد اول كأس عالم تنظمه دولة افريقية . لعل الكثيرين يشاركون هذا الرجل في امنياته فكرة القدم اصبحت لغة عالمية يجيد التحدث بها ويُفتتن بها الكون كله . وعلى الرغم من أن الاقتصاد المتوحش «لما بعد العولمة» قد أنشب أظفاره في كرة القدم وجعل منها «بزنيس» ضخما وتجارة عالمية ، للدرجة التي جعلت «الفيفا» تنشىء شركة متخصصة ، استطاعت أن تبيع حقوق بث مباريات هذا المونديال بثلاثة مليارات من الدولارات ... على الرغم من كل هذا اتسعت قائمة الزبائن لهذا «البزنيس»وزاد عدد المشجعين في جميع انحاء العالم بفضل سطوة الاعلام و الفضائيات التي ملأت الأثير الكوني ، وايضاً بفضل اتساع رقعة الدول التي تُسهم في الابداع الكروي ، فبعد أن كان هذا المنشط حكراً على اروبا وامريكا الجنوبية لسنوات طوال جاء اللاعبون الافارقة ومن بعدهم الاسيويون ليزاحموا في الوقوف على قمة الهرم الكروي خصوصاً من خلال تواجدهم في الاندية الاروبية الكبرى . وفى مباراة الافتتاح استوقفني أمر يؤكد سطوة «البزنيس» على الرياضة ، فالتشويش الذي تعرضت له قناة الجزيرة احد الوكلاء الحصريين خلال نقل تلك المباراة والذي اكدت القناة انه بفعل فاعل ، يعكس ضراوة الاقتتال التجاري داخل هذا السوق ، فمثل هذا التشويش إن استمر فانه يجهض عائدات الاعلان ويجعل هذه الصفقة التي أنفقت فيها الجزيرة ملايين الدولارات على مهب الريح بفعل الكيد والصراع التجاري . لا أنكر أنني تعاطفت مع منتخب جنوب افريقيا رغم اعجابي بالكرة المكسيكية ، فهذا الشعب المبدع الرائع الذي جعل من الرقص الافريقي احدى ادوات الكفاح السياسي والتشجيع الكروي ، وقدم لنا نموذجاً من النضال التحرري المجيد ونموذجاً آخر اسمه « الحقيقة والمصارحة « وفوق ذلك قدم لنا نلسون مانديلا . وثمة ملاحظة هى غياب اللاعبين البيض عن تشكيلة المنتخب بعكس ما كان في الايام الاولى لما بعد الاستقلال ، رغم أن البيض«السادة السابقين» مازال معظمهم في جنوب افريقيا بعد أن جبُّ مبدأ « الحقيقة والمصارحة « كل خطايا وجرائم الفصل العنصري . وملاحظة اخرى ظلت تحيرني طوال متابعتي لنهائيات كأس العالم لعشرات السنوات وهي أن المنتخب الارجنتيني ظل المنتخب الجنوب امريكي الوحيد الذي خلت صفوفه طوال تاريخه من تواجد لاعب أسود« أو حتى أسمر» بعكس كل دول تلك القارة التي تجمع كل الاعراق وعلى رأسها المنتخب البرازيلي ، الذي تمتزج فيه الشيكولاتة باللبن في نسق يسوده الابداع وتعلو فيه القيمة البشرية فوق كل الاعراق .. حتى بلدان« الخواجات الجد جد» أي الدول الاروبية مثل انجلترا وهولندا وفرنسا اصبحت منتخباتها هجيناً بديعاً من الاعراق المختلفة، كرة القدم تصنع الهوية القومية للشعوب وتدعم الوحدة الوطنية للأوطان وليت السياسيين في بلادنا تواروا وجعلوا الكرة تتكفل بالوحدة الجاذبة .