ما بين شهادة الميلاد وشهادة الوفاة تدور الحياة البشرية في سلسلة من الشهادات التي لاغنىً عنها مما يجعل عملية الحفاظ على هذه الشهادات عملية محافظة على الانسان نفسه، وبالتالي فان اي تزوير من شأنه ان يطال هذه الشهادات فهو تزوير يطال الانسان نفسه ،وبالتالي تظل عملية الحفاظ على هذه الشهادات مندرجة تحت اطار حماية الامن والطمأنينة في المجتمع واولى اللبنات في عملية تحقيق الاستقرار، الا ان عملية الاستقرار المنشودة تتقاطع مع الواقع المعاش والذي تشير فيه الاحصاءات الرسمية لوجود حالات كبيرة من التزوير في هذا النوع من الشهادات ،ويقابلها في الطرف الآخر عمليات تزييف للعملة وهو ما دفع وزارة الداخلية ممثلة في الشرطة وتحديدا في الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية في عقد سمنار اختارت له عنوان «حماية المستندات الرسمية من التزوير » وذلك في عملية من التعامل ما بين الهيئات من جانب وفي عملية اخرى تستهدف ضرورة ايجاد حلول لما اسمته بالازمة التي تهدد بنيان المجتمع وهي تفشي ظاهرة التزوير، حيث قدمت مجموعة من الاوراق في الجلسة التي حضرها عدد كبير من المهتمين بمباني مركز الشهيد الزبير محمد صالح للمؤتمرات بالخرطوم والتي ادارها مولانا محمد علي المرضي وزير العدل الاسبق. واجمع معظم المتحدثين على خطورة التأثير التي يعززها التزوير وضرورة السعي لايجاد حلول تقلل منه وذلك باستخدام الوسائل التقنية الحديثة مثل المستند الذكي وتوضيح عمليات الحماية التي تتوفر لهذا النوع من المستندات والتي وصفت بانها تحمل قيمة هادية ومعنوية في آن واحد . ودار النقاش بشكل اساسي حول الشهادات الجامعية وشهادات الاراضي باعتبارها الاكثر عرضة للتزوير والذي تترتب عليه نتائج كارثية لعل اخطرها هي فقدان الدولة مصداقيتها فيما تصدره من وثائق وشهادات، فيما قال مولانا المرضي ان هنالك بعض المحامين الذين يمارسون التزوير وبعض موظفي الخارجية وهنالك بعض من يمارسون الوظائف بناء على شهادات حصلوا عليها بالتزوير.. وابتدر الحديث في الندوة مدير الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية اللواء عابدين الطاهر حاج ابراهيم والذي ثمن ما اسماه بالشراكة ما بين المباحث والمجتمع وذلك في سبيل تحقيق مقولة ان الامن مسؤولية الجميع والتي افرزت ما يعرف بمباحث الظل وهي مجموعة تزيد عن 22 ألف فرد يساعدون المباحث من خلال عملية جمع المعلومات والتبليغ عن الحوادث والمخاطر. وقال ان عدداً كبيراً من قادة الدولة هم جزء من هذا العمل واكد ان هذا السمنار يأتي تعبيرا عن هذه الشراكة مضيفا ان كل قوات المباحث تعمل الآن من اجل هدف واحد هو ضرورة القبض على المتهمين في قضية الامريكي غرانفيل،مطالبا الجميع بتقديم اي معلومات في سبيل هذا الهدف ومن ثم عرج عابدين للتزوير والذي وصفه بأنه جريمة يجب ايقافها وهو الامر الذي خطوا فيها خطوات كبيرة من خلال تخصيص دائرة لمكافحة جرائم المعلومات وهو مختبر جنائي خاص به دائرة خاصة تتعلق بالتزوير والذي يمثل توأما للتزييف مؤكدا انهم يؤمنون ايمانا قاطعا بحكمة لا تؤجل عمل اليوم للغد في سبيل سعيهم الدؤوب من اجل توفير الامن والاطمئنان لأهل السودان باعتبارها مسؤولية كل السودانيين. ومن ثم قدم مدير ادارة الانتاج المؤمن في شركة مطابع السودان للعملة المهندس خالد خلف الله الخضر ورقة عن الخصائص التأمينية لطباعة المستندات والتي تناول فيها تعريف المستندات المؤمنة بانها هي المطبوعات التي تحمل قيمة رسمية او مادية ويمكننا ان نصنف تأمين المطبوعات الى: التأمين الفني والذي يشمل التصميم المؤمن والطباعة المؤمنة والورق المؤمن والعمليات الاضافية المتنوعة واكد ان شركة مطابع العملة التي تأسست في عام 1992م، تتبنى نظام تأمين عالي المستوى باستخدام احدث التقنيات العالمية المتطورة والمواكبة وباستخدام وسائل مثل السلك المعدني والعلامة المائية والتي تظهر في العملة وكذلك استخدام بعض الاحبار الخاصة والاختام وانواع خاصة من ا لاحبار واستخدام ما يعرف بالتخريم الرقمي والترقيم والهولغرام واكد انه من السهولة معرفة اذا ما كانت العملة مزورة او غير ذلك. واشار الى ان الاجراءات التأمينية تبدو واضحة حتى في اختيار من يقومون على هذا الامر وذلك بعد توطين طباعة العملة بالداخل. وفي ورقته التي كانت بعنوان جريمة تزوير المستندات تناول مدير ادارة مكافحة جرائم المعلوماتية وخبير كشف التزوير العميد معتصم احمد الكجم التزوير قائلا انه جريمة يحاكم عليها القانون في حده الاقصى يتبع سنوات سجن وهو ان لم يواكب وحجم الجرم الذي يرتكبه المزور حيث اضاف ان هنالك بعض الدول تحاكم المزورين بالاعدام وذلك انطلاقا من تأثيرات هذه الجريمة حتى المجتمع والاقتصاد والقيم السائدة وقال الكجم ان جرائم التزوير بدت تطفو للسطلح في بداية التسعينيات وبدت تترك آثارا سلبية الا ان عملية الوعي بمخاطرها من قبل موظفي الدولة ضعيفة جدا وقال ان هنالك نوعين من التزوير تزوير كلي وتزوير جزئي واضاف ان عملية مكافحة التزوير هي عملية مهمة تحتاج لتوافر كم هائل من الامكانيات واستخدام الوسائل الحديثة للتقليل من حدة الظاهرة وتحسر الكجم على ان الورق المستخدم في العملة هو ورق مصنوع من القطن ولكن للاسف يتم استيراده من دول اخرى، وهو ما يعبر عن خلل اقتصادي واضح ومؤشر سلبي واكد ان عملية تحويل الجواز الى جواز الكتروني كان احد الوسائل المتخذة للتقليل من حدة التزوير وهو مر بالمباحث منذ العام 1990م حتى وصلوا فيه لآخر المراحل واصبح من الصعوبة بمكان تزوير الجواز واكد ان العملية لمزيد من بذل الجهد خصوصا من الوسائل الاعلامية للقيام بدورها النقيض ووصف الصحفيون بانهم مباحث ظل من خلال الادوار التي يقومون بها من اجل تحقيق الامن والاستقرار بالتعاون مع الجهات الاخرى. وقال ان معظم الشهادات الجامعية المزورة يتم تزويرها من خلال التغيير او التبديل باحدى الطرق الآتية: ازالة البيانات الاصلية بطرق المحو الكيميائي.. تغيير وتبديل صورة الشهادة الاصلية بطرق النسخ الضوئي ويتم استخدام وسائل التقنية الحديثة في هذا الامر. من جانبه وضع المهندس محمود العشي مدير ادارة تطوير الاعمال بشركة امريكن انترناشونال العلاج من خلال ورقته التي اسماها بالمستند الذكي والذي يقوم على اساس الوسائل التقنية المتطورة من خلال وضع شريحة تحتوي على كل المعلومات والصورة داخلها او في خلفية الورقة التي تحويها الشهادة مما يقلل من عملية التزوير التي تحدث في الوسائل والتي وصف عملية التزوير فيها بانها سهلة للغاية. واضاف ان الشركة بدأت هذا العمل في دُبي حيث يوجد المكتب الاقليمي لها بالشرق الاوسط وان ا لهدف من هذا الامر هو تلافي العوامل السلبية التي يفرزها التزوير واكد ان هذا العرض من شأنه ان يقدم حلولا ذكية خصوصيا في الشهادات الجامعية وشهادات الاراضي ، ويتميز بسهولة استخراجه وكذلك بسهولة التحقق من صحة الشهادة في نفس الوقت ومن شأنه ان يقلل الجهد والوقت المبذول في استخراج الشهادات التقديرية والمال حيث افادت بعض الدراسات ان هنالك 6% من الدخل السنوي العالمي يضيع بسبب التزوير. واكد ان البرنامج اثبت نجاحا في الامارات العربية المتحدة وفي السعودية وتحديدا في وزارة التعليم العالي وهو ما يمكن ان يثبت نجاحا في السودان لو طبق بالتعاون ما بين الجامعات ووزارة التعليم العالي كما انه نظام يصلح لتطبيقه في البنوك وفي مصلحة الاراضي. وحذر في مداخلته مدير الادارة العامة لمكافحة المخدرات وخبير التزوير والتزييف بالادلة الجنائية اللواء حمدي الخليفة الحسن مما اسماه بالتزييف الفعلي الذي يستهدف شباب هذه الامة ،مشيرا لتعاطي المخدرات والتي قال انه لا يقل بأية حال من الاحوال عن عملية التزوير التي تستهدف مقدرات هذه الامة والتي تقوم بها القوى الخارجية وبعض ضعاف النفوس من اجل تخريب الاقتصاد الوطني للبلاد وخصوصا فيما يتعلق بتزييف العملة السودانية وجواز السفر ، فكم من اجنبي حصل على الجنسية السودانية باستخدام وسائل التقنية الحديثة والمخططات الاجرامية التي تقوم بها بعض الشبكات والتي يجب مواجهتها من اجل حماية مكتسبات الامة. واكد بروفيسور عبدالحافظ الطاهر مدير الادارة العامة للقبول وتقديم الشهادات بوزارة التعليم العالي انهم يوميا يكتشفون شهادات مزورة وذلك يعود لعدم توحيد الرؤية في العمل ما بين الجهات المختلفة واكد ان هنالك عددا من العوامل التي تقود للتزوير في الشهادات ويتم ذلك موضع اسم في كل وخصوصا شهادات الاخوان وقال ان استخدام الرقم الجامعي قلل من هذه العملية ولكنه لم يقضِ عليها تماما، وقال ان معظم الشهادات المزورة يتم العمل بها خارج السودان مما زاد من الطلب على (شهادات اثبات صحة الشهادة) وهذه الخطابات نفسها اصبحت تتعرض للتزوير من قبل بعض ضعاف النفوس مما جعلنا نفرض عليها مزيدا من الضبط ، وقال ان زيادة نسبة سمات التأمين كلما قلت عملية التزوير في الشهادات التي تقوم بها شبكات اجرامية مخصصة.. وقال ان الاختلاف ما بين سمات التأمين المتبعة في الجامعات المختلفة وسمات التأمين في الوزارة قللت من عملية الضبط قبل ان يقول انهم قادرون على اكتشاف كل الشهادات المزورة بالتعاون مع الاجهزة المختصة وخصوصا انهم يملكون سجلا يشمل كل المنضويين في مؤسسات التعليم العالي .. وقال ان تعقيد الاجراءات المتعلقة باستخراج الشهادات تدفع الكثير من الطلاب الذين حصلوا على الشهادات بتزويرها كسبا للوقت والزمن.. فيما قال خبير التزوير العقيد احمد ابراهيم الزناوي ان اهم المشاكل في عملية مكافحة التزوير هي ضعف الثقافة بالنسبة للمواطن العادي وكذلك الحماية ، فكل وسائل الكشف السرية تبدو واضحة للمتخصصين وكل القضايا التي وصلت للمعمل الجنائي تم كشفها وقال ان تجربة الشركة الامريكية من شأنها ان تنجح في وضع حلول لاشكاليات التزوير. واعتبر مسجل عام الاراضي القاضي عبدالرحمن احمد عبدالله ان تطبيق هذا النظام من شأنه ان يضع حدا لمشاكل التزوير في الاراضي واكد ان المستند لا يبرأ وخصوصا مستندات التوكيل التي تستخرج من القنصليات وتوثق في الخارجية مما يجعلها عرضة للتزوير . واكد ان خبرة العاملين في الاراضي كشفت الكثير من عمليات التزوير في وقتها وهو ما يعني ضرورة وجود الاجراءات الحديثة للتأمين. من جانبه نفى مدير ادارة التوثيق بوزارة الخارجية ان يكون هنالك تزوير يتم داخل الوزارة دون ان يعني ذلك غيابه تماما واشار أن تعقيد الاجراءات من شأنه ان يكتشف عمليات التزوير التي يقوم بها بعض ضعاف النفوس واشار أن تطبيق فكرة المستند الذكي من شأنه القضاء على ظاهرة التزوير من جانب وظاهرة استرجاع الشهادات لمطابقتها مما يشكل عبئا ماليا على الوزارة. واجمع عدد من ممثلي الجامعات على ان تطبيق المستند الذكي هو الحل لاشكالية التزوير التي ألقت بظلالها السالبة على مصداقية الشهادات السودانية والتعامل معها من قبل الآخرين،وركزوا كذلك على عملية تبسيط الاجراءات وخلق قنوان اتصال فاعلة ما بين الجامعات والوزارة من اجل قطع الطريق امام من يزورون الشهادات..